في الجنة، وإن لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون عليه، بل يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها، ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب قال تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ ١ الآية قيل نزلت في النجاشي، يروى عن جابر، وابن عباس، وأنس، ومنهم من قال فيه وفي أصحابه، كما قال الحسن وهذا مراد الصحابة، لكن هو المطاع، فإن لفظ الآية لفظ الجمع. وقال عطاء في أربعين من أهل نجران وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم على دين عيسى فآمنوا بمحمد ﷺ، ولم يذكر هؤلاء من بالمدينة مثل ابن سلام، وسلمان وغيرهما، لأنهم صاروا من المؤمنين فلا يقال فيهم: ﴿وإن من أهل الكتاب﴾، كما يقال عن الصحابة الذين كانوا مشركين، وإن من المشركين لمن يؤمن بالله، فدل على أن هؤلاء من جملة أهل الكتاب، وقد آمنوا بالرسول، كما قال: ﴿فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ ٢ فهو من العدو، ولكن آمن ولم تمكنه الهجرة وإظهار الإيمان والتزام شرائعه، فسماه مؤمنا، لأنه فعل من الإيمان ما يقدر عليه، لما قال تعالى في العاجز عن الهجرة: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ﴾ ٣ الآية، فأولئك كانوا عاجزين عن إظهار دينهم، فسقط عنهم ما عجزوا عنه.
فإذا كان هذا فيمن كان مشركا، فما تظن بمن كان كتابيا، وقوله: ﴿من قوم عدو لكم وهو مؤمن﴾، قيل: هو الذي عليه لباس أهل الحرب، مثل من يكون في صفهم