مسائل عکبری
المسائل العكبرية
پژوهشگر
علي أكبر الإلهي الخراساني
شماره نسخه
الثانية
سال انتشار
1414 - 1993 م
ژانرها
أجوبة المسائل الحاجبية 1 للشيخ المفيد رضي الله عنه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي يؤيد بالتوفيق من يتمم 2 هداه ويخذل من عدل عن سبيله واتبع هوا.، وصلى الله على نبيه الذي استخلفه 3 واجتباه، واصطفاه من كافة بريته و ارتضاه، وعلى البررة من أهل بيته المقتدين به في طاعته لربه وتقواه، وسلم كثيرا.
وبعد فقد وقفت - أطال الله بقاء الحاجب في عز طاعته وأدام توفيقه وحرسه بعصمته - على المسائل التي أنفذها إلي وسأل الإجابة عنها بما يزيل الشبهات 1 - رض: هذه المسائل سألها الحاجب عن الشيخ أبي عبد الله المفيد محمد بن النعمان الحارثي البغدادي قدس الله سره.
مر: جواب المسائل الواردة من الحاجب أبي الليث بن سراج (رض) تعرف ب " المسائل العكبرية " إملاء الشيخ المفيد أبي عبد الله معمد بن النعمان قدس الله روحه ونضر وجهه وألحقه بمواليه الطاهرين عليهم السلام.
أقول: المسائل الحاجبية هي إحدى وخمسون مسألة كلامية عن آيات متشابهة وأحاديت مشكلة، سأل الحاجب أبو الليث بن سراج شرحها وبيانها فنسبت إليه.
2 - مر: يتم.
3 - رض، مر: استخلصه.
صفحه ۲۵
المعترضة في معانيها. وتأملت ما تضمنه 1 وليس منها سؤال إلا وقد سلف لي فيه أجوبة 2، وثبت في معناه عنى كلام يزول به عن 3 فهمه الارتياب، والأمر في جيع ذلك بمن الله 4 قريب، وأنا بمشيئة الله وعونه أثبت له - أيده الله 6 - الأجوبة كما سأل، وأعتمد الإيجاز 7 فيها والاختصار، إذ كان استقصاء القول في ذلك مما ينتشر 8 به الخطاب، ويتسع به الكلام، ويطول به الكتاب، والله 9 الموفق للصواب.
المسألة الأولى عن قول الله تعالى 10: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " 11. قال السائل: وإذا كانت أشباحهم قديمة وهم في الأصل طاهرون فأي رجس أذهب عنهم؟ قال: وأخرى 12 أنه لا يذهب بالشئ إلا بعد كونه. قال: نحن مجمعون على أنهم 13 لم يزالوا طاهرين قديمي الأشباح قبل آدم عليه السلام.
الجواب عما تضمنه هذه الأسئلة 14 "، أن الخبر عن إرادة الله تعالى إذهاب الرجس عن أهل البيت عليهم السلام والتطهير (لهم) 15 لا يفيد إرادة عزيمة أو ضميرا
صفحه ۲۶
أو قصدا، على ما يظنه جماعة ضلوا عن السبيل في معنى إرادة الله عز اسمه، وإنما يفيد إيقاع الفعل الذي يذهب الرجس، وهو العصمة في الذين أو التوفيق 1 للطاعة التي يقرب العبد بها من رب العالمين 2. وليس يقتضي إلا ذهاب للرجس وجوده (2 ظ) من قبل كما ظنة السائل، بل قد يذهب بما كان موجودا ويذهب بما لم يحصل له وجود، للمنع منه. والإذهاب عبارة عن الصرف، وقد يصرف عن الانسان ما لم يعتره، كما يصرف ما اعتراه. ألا ترى أنه يقال في الدعاء: " صرف الله عنك السوء "، فيقصد إلى المسألة منه تعالى عصمته من السوء، دون أن يراد بذلك، الخبر عن سوء به، والمسألة في صرفه (عنه) 3.
وإذا كان الإذهاب والصرف بمعنى واحد فقد بطل ما توهمه السائل فيه، وثبت أنه قد يذهب بالرجس عمن لم يعتره قط الرجس على معنى العصمة له (منه) 3 والتوفيق لما يبعده من حصوله به. فكان تقدير الآية حينئذ: إنما يذهب الله عنكم الرجس الذي (قد) 3 اعترى سواكم بعصمتكم منه، ويطهركم أهل البيت من تعلقه بكم 4، على ما بيناه.
وأما القول بأن أشباحهم عليهم السلام قديمة فهو منكر لا يطلق. والقديم في الحقيقة هو الله تعالى الواحد الذي لم يزل. وكل ما سواه محدث مصنوع مبتدأ له أول. والقول بأنهم لم يزلوا طاهرين قديمي الأشباح قبل آدم 5 كالأول في الخطأ.
ولا يقال لبشر إنه لم يزل قديما.
1 - سائر النسخ: والتوفيق.
2 - روى الحافظ القندوزي الحنفي عن الحسن بن علي - سلام الله عليهما أنه قال في خطبته. إنا أهل بيت أكرمنا الله، واختارنا واصطفانا، وأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا. (ينابيع المودة 576).
3 - أثبتناه عن سائر النسخ.
4 - ويؤيد هذا المعنى ما ورد في زيارة الجامعة الكبيرة - التي علمها الإمام علي بن محمد الهادي عليهما السلام موسى بن عبد الله النخعي -: عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن. وطهركم من الدنس، وأذهب عنكم الرجس " وطهركم تطهيرا. (فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين 2 / 181).
5 - رض، مل، مر + عليه السلام.
صفحه ۲۷
وإن قيل: إن أشباح آل محمد عليهم السلام سبق وجودها وجود آدم 1، فالمراد بذلك أن أمثلتهم 2 في الصور كانت في العرش فرآها آدم 3 وسأل عنها فأخبره الله 4 أنها أمثال صور من ذريته 5 شرفهم بذلك وعظمهم به. فأما أن يكون 6 ذواتهم عليهم السلام كانت قبل آدم موجودة، فذلك باطل بعيد من الحق، لا يعتقده.
محصل ولا يدين به عالم، وإنما قال به طوائف من الغلاة الجهال، والحشوية من الشيعة الذين لا بصر 7 لهم بمعاني الأشياء ولا حقيقة الكلام.
وقد قيل: إن الله تعالى كان قد كتب أسماءهم على العرش 8 فرآها آدم 1 - رص، مر، رض 2: + عليه السلام.
2 - مر، رض 2: مثلهم.
3 - رض، مر: + عليه السلام.
2 - رض: + تعالى. مر: + عز وجل.
5 - قال علي بن الحسين عليه السلام: حدثني أبي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله (قال:) قال: يا عباد الله إن آدم لما رأى. النور ساطعا من صلبه - إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهر - رأى النور ولم يتبين الأشباح فقال: يا رب في ما هذه. الأنوار؟ قال الله عز وجل: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، إذ كنت وعاءا لتلك الأشباح. فقال آدم: يا رب لو بينتها لي؟ فقال الله عز وجل: أنظر يا آدم إلى ذروة العرش. فنظر آدم، ووقع (رفع - ن خ) نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية، فرأى أشباحنا. فقال يا رب ما هذه الأشباح؟ قال الله تعالى: يا آدم هذه الأشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا المحمود الحميد في أفعالي شققت له اسما من اسمي. وهذا على، وأنا العلي العظيم. شققت له اسما من اسمي.
وهذه، فاطمة وأنا، فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم لفصل قضائي وفاطم أوليائي عما يعر ويسيئهم (يعتريهم ويشينهم - البحار) شققت لها اسما من اسمي. وهذان الحسن والحسين وأنا المحسن المجمل شققت أسميهما من أسمى هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ وبهم أعطي، وبهم أعاقب وبهم أثيب فتوسل إلي بهم. يا آدم وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلى شفعاءك، فإني آليت على نفسي قسما حقا (أن) لا أخيب بهم آملا، ولا أرد بهم سائلا. (التفسير المنسوب. إلى الإمام العسكري - تحقيق ونشر مدرسة الإمام ا لمهدي ص 219، وبحار الأنوار 26 / 327).
6 - رص، مل، مر: تكون.
7 - مر، رض 2: لا نظر.
8 - عن أبي جعفر عليه السلام:... وأن اسمه لمكتوب على العرش: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله (بحار الأنوار 16 / 98).
صفحه ۲۸
عليه السلام وعرفهم بذلك وعلم أن شأنهم به عند الله العظيم 1 عظيم. وأما القول بأن ذواتهم كانت موجودة قبل آدم عليه السلام فالقول في بطلانه على ما قدمناه 2.
المسألة الثانية قال السائل: قد أجمعنا 3 أن محمدا وآله، صلوات الله عليهم 2، أفضل من إبراهيم وآله عليهم السلام. قال: ونحن نسأل الله في الصلاة - على ما ورد به الأثر - أن يصلي على محمد وآله كما صلى (2 و) على إبراهيم وآل إبراهيم 5، فكأنا نسأله الحطيطة عن منزلتهم إذ كنا قد أجمعنا على أنهم أفضل من إبراهيم وآله. قال: وإذا صح أن الأنوار قديمة فما بال إبراهيم 6 قال: " ربنا وابعث فيهم رسولا منهم " 7. وشدد 8 ذلك ما ورد به الخبر أنه قيل: يا رسول الله، ما بدء أمرك؟ قال: دعوة إبراهيم 9.
والجواب - وبالله التوفيق - أنه ليس في مسألتنا الله تعالى أن يصلي على محمد وآله كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم، ما يقتضي الرغبة إليه في إلحاقهم بدرجة إبراهيم. 9 وآل إبراهيم، وإنهم محطوطون عن تلك الدرجة، وأنا نسأله التفضل عليهم برفعهم إليها، كما ظنه السائل وأشباهه ممن لا علم لهم بمعاني الكلام، وإنما المراد بذلك الرغبة إلى الله 11 في أن يفعل بهم المستحق لهم من التعظيم والإجلال، كما فعل بإبراهيم وآله ما استحقوه من ذلك. فالسؤال يقتضي 1 - " العظيم " ليس في سائر النسخ.
2 - مر، رض 2: بيناه.
3 - رض: قد ثبت. مل: قال السائل إن محمدا. مر: فصل مسألة قد أجمعنا .
4 - حش: + أجمعين.
5 - " وآل إبراهيم "، ليس في حش. رض، مل، مر: وآله.
6 - حش، مل: + عليه السلام.
7 - سورة البقرة (2)، 129.
8 - مر، رص 2: شيد. رص: شذ.
9 - حش. مل: + عليه السلام. رض: + الخليل عليه السلام.
10 - رض: + عليهم السلام.
11 - مل: + تعالى
صفحه ۲۹
تنجيز المستحق لهم منه 2 تعالى وإن كان أفضل مما استحقه إبراهيم وآله. ولهذا نظير من الكلام في المتعارف 3، وهو أن يقول القائل لمن كسا عبده في ماضي الدهر 4 وأحسن إليه: " أكس ولدك الآن كما كسوت عبدك، وأحسن إليه كما أحسنت إلى عبدك من قبل "، ولا يريد مسألة إلحاق الولد برتبة العبد في الإكرام، ولا التسوية بينهما في ماهية 5 الكسوة والإحسان ومماثلتهما في القدر، بل يريد به الجمع بينهما في الفعلية والوجود 6. ولو أن رجلا استأجر إنسانا بدرهم أعطاه إياه عند فراغه من عمله، ثم عمل له أجير من بعد عملا يساوي أجرته دينارا، لصح أن يقال عند فراغ الانسان من العمل: " أعط هذا الانسان أجره كما أعطيت فلانا أجره "، أو يقول الأجير نفسه " وفني أجرتي كما وفيت أجيرك بالأمس أجرته " 7، ولا يقصد 8 التمثيل بين الأجيرين في قدرهما، ولا السؤال في إلحاق الثاني برتبة الأول على وجه الحط 9 عن منزلته، والنقص له من حقه. فهكذا القول في مسألتنا الله سبحانه الصلاة على محمد وآله عليهم السلام كما صلى على إبراهيم، وآل إبراهيم 10 (3 ظ) حسب ما بيناه وشرحناه.
فصل فأما تكرار القول بأنه قد صح أنهم أنوار، فقد قلنا في ما يكفي 11، وبينا 1 - في الأصل وحش: بتحيز، مل، مر، رض 2: تنجز، ولعل ا لصواب ما أثبتاه عن رض.
2 - رض: من الله.
3 - مل، مر، رض 2: التعارف.
4 - مر، رض 2: لمن كسا عبده أو ولده: " افعل مع هذا كما فعلت مع فلان، وإن لم يكن الأول أفضل من الآخر ويكون الآخر مستحقا أكثر ". ومن هنا إلى المسألة الرابعة سقط في هاتين النسختين.
5 - رض، مل: مائية.
6 - رض، مل: والوجوب.
7 - رض، حش: أجره 8 - رض، مل: + بذلك.
9 - رض، مل: + له.
10 - " كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم " غير موجودة، في رض ومل وحش.
11 - حش ، رض، مل: كفى.
صفحه ۳۰
أنه مذهب مردود 1، ووصفنا الذاهب إليه من الناس بما ذكره 2 من الغلو والتقليد بغير بيان. وأما الخبر الثابت عن النبي عليه وآله السلام 3: " أنا دعوة إبراهيم " 4، فلم يأت بأنه كان جوابا عن المسألة له عن بدء أمره. وله سئل عن بدء أمره لما كان لقوله أنا دعوة إبراهيم محصول 5، لأنه إن أراد بالبدء الإرسال فلم يكن عن 6 دعوة إبراهيم. وإن أراد الذكر فقد كان ذلك قبل إبراهيم حين ذكره الله لنبيه آدم عليه السلام. وفي الخبر أنه مذكور 7 للملائكة 8 تجل آدم عليه السلام 9 وبالجملة 10 فإنا غير مصححين لقدم الأنوار التي ذكرها السائل، وقد قلنا في ذلك ما فيه مقنع، إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة وسأل السائل أيضا عن قول يعقوب عليه السلام " لما رأى يوسف 11 المنام فقال: " وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل " 12 وقوله بعد ذلك لإخوته: " وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون " 13. وقد علم أنه يكون نبيا وأنه 1 - رض، مل: مرذول.
2 - رض، مل: بما ذكرناه.
3 - رض، مل: + أنه قال.
3 - عن أبي أمامة قال: يا رسول الله! ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم. وبشرى عيسى، ورأت أمي أنة خرج منها شئ أضاءت منه قصور الشام. (تفسير نور الثقلين 1 / 130).
5 - رض: معنى محصل.
6 - رض. مل: عند.
7 - رض: كان مذكورا.
8 - عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وآله في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن قال: قلت: يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق معرفتنا؟ فقالوا: يا نبي الله وكيف لا نعرفكم وأنتم أول ما خلق الله؟ خلقكم أشباح نور من نوره... ثم خلق الملائكة من بدء ما أراد من أنوار شتى، وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون وتمجدون وتقدسون، فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر ونهلل بتسبيحكم وتحميدكم وتهليلكم وتكبيركم وتقديسكم وتمجيدكم. الخ. (بحار الأنوار 15 / 8).
9 - " وفي الخبر. عليه السلام " غير موجودة في مل.
10 - رض، مل: وفي ا لجملة.
11 - حش ، رض، مل: + عليه السلام.
12 - سورة يوسف (12): 6.
13 - سورة يوسف (12): 13. " وأنتم عنه غافلون " غير موجودة في رض ومل.
صفحه ۳۱
لا يجوز أن يأكله الذئب 1 مع إجماعنا على أن لحوم الأنبياء محرمة على الوحش.
الجواب - وبالله التوفيق - أن يعقوب عليه السلام تأول رؤيا يوسف عليه السلام على حكم رؤيا البشر التي يصح منها ويبطل، ويكون التأويل لها مشترطا بالمشيئة 2 ولم يكن يوسف 3 في تلك الحال " نبيا يوحى إليه في المنام فيكون تأويلها على القطع وإثبات، فلذلك لم يجزم على ما اقتضته من التأويل، وخاف عليه أكمل الذئب عند إخراجه مع إخوته في الوجه الذي التمسوا إخراجه معهم فيه.
وليس ذلك بأعجب من رؤيا إبراهيم عليه السلام في المنام - وهو نبي مرسل وخليل للرحمن 5 مصطفى مفضل - أنه يذبح ابنه ثم صرفه الله تعالى عن ذبحه وفداه منه بنص التنزيل، مع أن رؤيا المنام أيضا على شرط صحة تأويلها ووقوعه (3 و) لا محالة ليس بخاص لا يحتمل الوجوه 6، بل هو جار مجرى القول الظاهر المصروف بالدليل عن حقيقة إلى المجاز، وكالعموم الذي يصرف عن ظاهره إلى ا لخصوص بقرائنه من البرهان. وإذا كان 7 على ما وصفناه أمكن أن يخاف يعقوب 8 على يوسف عليه السلام من العطب قبل البوغ وإن كانت رؤياه تقتضي على ظاهر حكمها بلوغه ونيله النبوة وسلامته من الآفات. وهذا بين لمن تأمله. والله الموفق للصواب.
المسألة الرابعة وسأل. هذا السائل 9 عن قوله تعالى: " والنجم والشجر يسجدان " 10 وقوله: " ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في 11 الأرض 1 - " وقد علم أنه. أن يأكله الذئب " غير موجودة في رص ومل.
2 - رض. مل: بالمشية.
3 - حش. رض. مل: + عليه السلام.
4 - " في تلك الحال " غير موجودة في رض.
5 - حش، رض. مل: خليل الرحمن.
6 - حش: الوجوب.
7 - رض، مل: + الأمر.
8 - رض، مل: + عليه السلام.
9 - مر، رض 2: مسألة من الأول وسأل.
10 سورة الرحمن (55): 6.
11 - " من في " ساقطة من الأصل وحش ومل.
صفحه ۳۲
والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر " 1. وقال: هذه كلها جمادات لا حياة لها 2 فكيف تكون ساجدة لله؟ وما معنى سجودها المذكور؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن السجود في اللغة التذلل 3 والخضوع، ومنه سمي المطيع لله ساجدا لتذلله بالطاعة لمن أطاعه. وسمي واضع جهته على الأرض ساجدا لمن وضعها له لأنه تذلل بذلك له وخضع. والجمادات وإن فارقت الحيوانات بالجمادية فهي متذللة لله عز وجل من حيث لم تمتنع من تدبيره لها وأفعاله فيها. والعرب تصف الجمادات بالسجود وتقصد بذلك، ما شرحناه في معناه ألا ترى إلى قول الشاعر، وهو زيد الخيل:
بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر أراد أن الأكم الصلاب في الأرض لا تمتنع من هدم حوافر الخيل لها وانخفاضها بها بعد الارتفاع. وقال سويد الشاعر:
ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف أصم المستمع والتذلل بالاضطرار والاختيار لله عز اسمه يعم الجماد والحيوان الناطق والمستبهم معا. فالمتذلل لله تعالى بالاختيار والفعل من نفسه 5 هو الحي العاقل المكلف المطيع. والمتذلل له بالاضطرار هو الحي المستبهم والناطق الناقص (2 ظ) عن حد التكليف، والكامل الكافر أيضا.
والجمادات جميعهم مصرف بتدبير الله تعالى وغير ممتنع من أفعاله به وآثاره فيه، فالكل إذا سجد لله جل اسمه متذلل له خاضع، على ما بيناه. وهذا ما لا يختل معناه على من له فهم باللسان.
1 - سورة ا لحج (22): 18.
2 - مرا، رض 2: + ولا نطق.
3 - رض: هو التذلل والخشوع. مل، مر " رض 2: هو التذلل.
2 - " بذلك " ساقطة من رض.
5 - مر، رض 2: باختيار وعقل.
صفحه ۳۳
المسألة الخامسة، قال السائل: والأنبياء عندنا معصومون كاملون، فما بال موسى عليه السلام (كان) 1 تلميذا للخضر 2 وهو أعلى منه، ثم أنكر على الخضر 3 فعله والحق فيه؟
الجواب - وبالله التوفيق - أن موسى 2 اتبع الخضر قبل أن ينبأ ويبعث، وهو إذ ذاك يطلب العلم ويلتمس الفضل فيه. فلما كلمه الله وانتهى من الفضل في العبادة والعلم إلى الغاية التي بلغها، بعثه الله تعالى رسولا واختاره كليما نبيا. وليس اتباع الأنبياء العلماء قبل نبوتهم قدح فيهم ولا منفر 5 عنهم، ولا شين لهم ولا مانع من بعثتهم واصطفائهم. ولو كان موسى عليه السلام اتبع الخضر 6 بعد بعثته لم يكن ذلك أيضا قادحا في نبوته، لأنه لم يتبعه لاستفادته منه علم شريعته، وإنما اتبعه ليعرف باطن أحكامه التي لا يخل فقد علمه بها لكماله 7 في علم ديانته. وليس من شرط الأنبياء عليهم السلام أن يحيطوا بكل علم، ولا أن يقفوا على باطن كل ظاهر. وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وآله 8 أفضل أن النبيين وأعلم المرسلين، ولم يكن محيطا بعلم النجوم، ولا متعرضا لذلك ولا يتأتى منه قول الشعر ولا ينبغي له. وكان أميا بنص التنزيل ولم يتعاط معرفة الصنائع 9 ولما أراد المدينة 10.
استأجر دليلا على سنن الطريق. وكان يسأل عن الأخبار ويخفى عليه منها ما لم يأت به إليه صادق من الناس، فكيف 11 ينكر أن يتبع 1 - أثبتناها عن رض لاقتضاء، السياق.
2 - رض: + عليه السلام.
3 - " على الخضر " ساقطة من رض.
4 - رض، مل: + عليه السلام.
5 - رض، مل: تنفير.
6 - رض: + عليه السلام.
7 - رض، مل: فقد علمه بكماله.
8 - حش: عليه وآله الصلاة والسلام. رض: عليه وآله السلام.
9 - رض، مل: + والمهن.
10 - رض، مل: الله، هو تصحيف من الناسخ.
11 - رض، مل: فلا.
صفحه ۳۴
موسى 1 عليه السلام الخضر 2 بعد نبوته ليعرف بواطن الأمور، فيما 3 كان يعلمه مما أورده. الله سبحانه بعلمه، من كون ملك يغصب السفن، وكنز في موضع 4 من الأرض، وطفل إن بلغ كفر وأفسد 5، وليس عدم العلم بذلك نقصا ولا شيئا و لا موجبا لانخفاض عن رتبة نبوة 6 وإرسال. وأما إنكاره عليه السلام خرق السفينة وقتل (4 و) الطفل فلم ينكره. على كل حال، وإنما أنكر الظاهر منه يعلم باطن الحال منه. وقد كان منكرا في ظاهر الحال وذلك جار مجرى قبول الأنبياء عليهم السلام شهادات العدول في الظاهر وإن كانوا كذبة في الباطن وعند الله، وإقامة الحدود بالشهادات وإن كان المحدودون براء في الباطن وعند الله. وهذا أيضا مما لا يلتبس 7 الأمر فيه على متأمل له من العقلاء.
المسألة السادسة، وسأل عن تول أمير المؤمنين عليه السلام في دعائه على القاعدين عن نصرته من جنده: " اللهم أبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني " 8. فقال: ما وجه هذا الكلام ولم يكن عليه السلام شريرا ولا كانوا هم أخيارا؟
وكيف يسأل الله أن يبدلهم به شريرا، والشر ليس من الله؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن العرب تصف الانسان بما يعتقده في نفسه وإن كان اعتقاد. ذلك باطلا، وتذكر أنفسها بما هي على خلافه لاعتقاد المخاطب فيها ذلك. ولما ذكرنا نظائر في القرآن وأشعار العرب الفصحاء.
1 - حش، مل: + عليه السلام.
2 - رض. + عليه السلام 3 - في الأصل وحش: فما صححناها عن رض ومل.
4 - " في موضع " ساقطة من رض ومل.
5 - حش: فسد 6 - رض: لانخفاض رتبته عن نبوة.
7 - رض " مل: لا يلبس.
8 - نهج البلاغة، الخطبة 25: اللهم إني قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم 9 رض، مل: فيه.
صفحه ۳۵
قال الله عز اسمه: " ذق إنك أنت العزيز الكريم " 1 ولم يكن كذلك بل كان ذيلا لئيما، فوصفه بضد ما هو عليه لاعتقاده ذلك في نفسه، واعتقاد من اعتقد فيه ذلك 2.
وقال حكاية عن موسى عليه السلام، فيما خاطب به السامري: " وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا " 3، ولم يرد إلهه في الحقيقة الذي هو الله عز وجل، وإنما أراد إلهه في اعتقاده.
وقال حسان بن ثابت يرد على أبي سفيان فيما هجا به النبي، صلى الله عليه وآله وسلم:
أتهجوه ولست له بند فشركما لخيركما الفداء ولم يكن في النبي صلى الله عليه وآله وسلم شر، ولا كان صلى الله عليه وآله وسلم 6 شريرا حاشاه من ذلك! وإنما أراد حسان - بما - أورده. من لفظ الدعاء في البيت الذي أثبتناه. عنه - ما قدمناه من تعلق الصفة باعتقاد المخاطب، أو تقديرها على ما يمكن من اعتقاد الخطأ في ذلك، حسب ما شرحناه وفي معنى ذلك قوله تعالى: " أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم " 7. ومعلوم أنه لا خير في شجرة الزقوم 8 على حال.
ونظائر ذلك كثيرة.
1 - سورة الدخان (22): 49.
2 - حش، رض، مل: ذلك فيه.
3 - سورة طه (20): 97.
2 - ديوان خان بن ثابت ص 20:
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء أتهجوه ولست له بكف: فشركما لخيركما الفداء هجرت مباركا برا حنيفا أين الله شيمته الوفاء 5 - حش مل: عليه وآله السلام.
6 - حش " مل: صلوات الله عليه 7 - ص سورة الصافات (37): 62 8 - " سورة معلوم أنه لا خير في شجرة الزقوم " 1 ساقطة من رض ومل
صفحه ۳۶
فصل فأما قول السائل: إن أمير المؤمنين عليه السلام سأل الله إبدالهم به شرا منه والتمس (5 ظ) منه الشر مع أنه تعالى لا يفعل الشرا، فالوجه فيه على خلاف ما ظنه، وهو أنه عليه السلام (لم) (2) يسأل الله سبحانه أن يفعل بخلقه شرا ولا أن ينصب عليهم شريرا، لكنه سأله التخلية بين الأشرار من خلقه وبينهم، عقوبة لهم وامتحانا. وسأله أيضا أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدمت أيديهم مما يستحقون به العذاب المهين. ونظير ذلك في معنا. قوله تعالى: وإذ تأذن ربك يستحقون به العذاب إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب "، قوله: " إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا " (4) وقوله تعالى: " وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها " (5). ولم يرد بذلك البعثة التي هي بعثة الرسل ولا الأمر بذلك (6) والترغيب فيه، وإنما أراد التخلية وترك التمكين وترك الحيلولة بينهم وبين المذكور 7، وهذا بين، والله المحمود.
صفحه ۳۷
المسألة السابعة. وسأل فقال: إذا كان الله تعالى لا تعلم هيئة ولا يحق و لا يدرك كيفيته ولا يشبه خلقه، ولا تحسه الأوهام والخواطر، ولا يحويه مكان و لا حيث (2) ولا أوان، فكيف صدر الأمر والنهي عنه إلى الحجج عليهم السلام وكيف هيئة ذلك؟ هذا سؤال السائل بألفاظه مع اختلاطها وفسادها.
والجواب - وبالله التوفيق - أن الله، تعالى (3) عن أن يكون له هيئة أو كيفية أو يشته شيئا من خلقه، أو يتصور في الأوهام أو يصح خطور ذلك (4) على الصحة لأحد ببال، وتعالى (5) أيضا عن المكان والزمان. وحصول الأمر منه والنهي للحجج عليهم السلام والسفراء ثابت معقول، لا يشتبه معناه على الآباء (6)، وهو أن يحدث سبحانه كلاما في محل يقوم به الكلام كالهواء وغيره من الأجسام، يخاطب به المؤهل للرسالة، ويدله على أنه كلامه (سبحانه) (7) دون من سواه، بأنه لا يقدر عليها أحد من الخلق على كل حال (8)، فيعلم المخاطب بذلك أنه كلام الله، لما قد ثبت في العقول من حكمته (تعالى) (9)، وأنه لا يلبس على الباد ولا يصدق كاذبا عليه، و لا يعضد باطلا ببرهان.
ونظير ذلك إرساله لموسى عليه السلام وتكليمه (10) إياه ووحيه إليه في البعثة له
صفحه ۳۸
والارسال. فأحدث كلاما في الشجر؟ التي رام موسى (5 و) منها اقتباس النار، أو فيما يتصل بالشجرة من الهواء (1)، ودله على أنه كلامه تعالى (2) دون من سواه بجعل يده بيضاء من غير سوء، وقلب عصاه ثعبانا حيا يسعى في الحال، فعلم موسى عليه السلام بهذين المعجزين أن المكلم (3) له إذ ذاك هو الله جل اسمه، الذي لا يقدر على مثل صنيعه (4) باليد والعصا أحد من الخلق (5).
ثم قد يكون الكلام من الله تعالى في معنى الارسال بخطاب (6) المرسل نفسه، من غير واسطة بينه وبينه من السفراء، وقد يكون بخطاب تلك يتوسط في السفارة بينه وبين المبعوث من البشر، ويعضد كلامه للملك بمثل ما عضد كلامه لموسى عليه السلام من الآيات. وهذا بين لا إشكال فيه، والمنة لله (7).
المسألة الثامنة. وسأل فقال: قد ورد الخبر أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" ما منا إلا من هم أو عصى إلا يحيي بن زكريا فإنه ما هم ولا عصى " (8). قال وقد سماه الله سيدا (9) ولم يسم غير وإذا صح ذلك فهو خير الأنبياء.
صفحه ۳۹
والجواب - وبالله التوفيق - أن هذا الخبر غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله، ولو ثبت لما وجب أن يكون يحيى أفضل الأنبياء (1)، إذ كان من هم وعصى قد تزيد (2) تكاليفه على من لم يهم ولم يعص، وتكون طاعاته و قربه أكبر (3)، وأعماله أشق (4)، وأكثر صلاحا للخلق وأنفع، لا سيما وهم (5) الأنبياء (6) ومعاصيهم - على مذهب من جوز ذلك عليهم من أهل العدل - صغائر مغفورة.
فأنا وصف الله تعالى ليحيى (7) بأنه سيد، فذلك أيضا مما لا يوجب تفضيله على الأنبياء عليهم السلام، لأنه لم يوصف بالسيادة والفضل عليهم ، وإنما وصف بسيادة قومه، والتقدم (8) على أتباعه وأهل عصره. وذلك غير مقتض لسيادته على النبيين (9) وتقدمه في الفضل على كافة المرسلين حسب ما ذكرناه.
المسألة التاسعة. وسأل عن قوله تعالى: " إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون " (10) فسمى المعدوم شيئا والمعدوم ليس بشئ، وخاطب المعدوم والمخاطب لا يكون إلا لموجود (11).
والجواب - وبالله التوفيق - أن العرب (12) تطلق على المعدوم ما لا يستحقه من
صفحه ۴۰
السمة (1) على الحقيقة إلا عند الوجود توسعا ومجازا. ألا ترى أنهم يقولون:
فلان (6 ظ) مستطيع للحج، فيطلقون على ما (لم) (2) يقع - من الفعل الذي إذا وجد كان حجا - اسم الحج. ويقولون: تريد (3) في هذه. السنة الجهاد؟ فيسمون ما لم يقع بالجهاد، وهو لا يستحق السمة (1) بذلك إلا بعد الوجود. وزيد في نفسه خصومة عمرو، وصلح خالد، وخطاب عبد الله، ومناظرة بكر، والخصومة والصلح والخطاب والمناظرة لا تكون في الحقيقة إلا بأفعال موجودة. وقد أطلقوا عليها السمة (1) قبل الوجود وفي حال عدمها وقبل كونها، على ما وصفناه. وقد قال الله تعالى مخبرا عن المسيح عليه السلام إنه قال: " ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد " (4) فسماه رسولا قبل وجوده. والرسول لا يكون رسولا في حال عدمه، و لا يسحق هذه السمة إلا بعد وجوده وبعثته.
(فصل) (5) فأما قوله إن الخطاب لا يتوجه إلا إلى موجود ولا يصح توجهه إلى المعدوم، فالأمر كذلك. ولم يخبر الله تعالى بأنه خاطب معدوما ولا كلم غير موجود، وإنما أخبر أن الأفعال غير متعذرة عليه، وأنه مهما أراد إيجاده (6) منها وجد كما أراد. والعرب تتوسع بمثل ذلك في الكلام، فيقول القائل منهم في الخبر عمن يريد ذكره باتساع القدرة ونفوذ الأمر وقوة السلطان: فلان إذا أراد شيئا وقال له:
كن، فكان، وهو لا يقصد بذلك، الخبر عن كلامه لمعدوم، وإنما يخبر عن قدرته وتيسر الأمر له (7)، حسب ما بيناه.
صفحه ۴۱
المسألة العاشرة. وسأل عن قوله تعالى: " لمن الملك اليوم " (1) فقال: هذا خطاب منه لمعدوم، لأنه يقوله عند فناء الخلق. ثم يجيب نفسه فيقول: " الله الواحد القهار " (1). وكلام المعدوم سفه لا يقع من حكيم، وجوابه نفسه عن سؤاله المعدوم أو تقريره إياه خلاف للحكمة والعقول (2).
والجواب - وبالله التوفيق - إن الآية غير متضمنة (3) للخبر عن خطاب معدوم و لا تقرير لغير موجود، بل فيها ما يوضح الخبر عن تقرير لموجود وهو قوله عز وجل: " لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ " (4). ويوم التلاق هو يوم الحشر عند التقاء (6 و) الأرواح والأجساد، وتلاقي الخلق بالاجتماع في الصعيد الواحد. وقوله: " يوم هم بارزون "، يؤكد ذلك، إذ كان البروز (5) لا يكون إلا لموجود، والمعدوم لا يوصف بظهور ولا بروز. فدل ذلك على أن قوله تعالى: " لمن الملك اليوم " خطاب للموجود (6)، وتقرير لفاعل ثابت العين غير معدوم. ثم ليس في الآية أن الله تعالى هو القائل ذلك، بل فيها قول غير مضاف إلى قائل بعينه، فيحتمل أن يكون القائل ملكا أمر بالنداء، فأجابه أهل الموقف.
ويحتمل أن يكون الله تعالى هو القائل مقررا غير مستخبر، والمجيبون هم البشر المبعوثون، أو الملائكة الحاضرون، أو الجميع مع الجان وسائر المكلفين. غير أنه ليس في ظاهر الآية ولا باطنها ما يدل على أن الكلام لمعدوم، على ما ظنه السائل وأقدم على القول به، من غير بصيرة ولا يقين (7).
ووجه آخر وهو أن قوله عز وجل: " ممن الملك اليوم " يفيد وقوعه في حال إنزال (8)
صفحه ۴۲
الآية دون المستقبل، ألا ترى إلى قوله لنبيه صلى الله عليه وآله: " لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك اليوم " يعني اليوم الذي تقدم ذكر ثم قال: " لله الواحد القهار ". فكان قوله: " لمن الملك اليوم " تنبيها على أن الملك لله تعالى وحده يومئذ، ولم يقصد به إلى تقريره ولا استخبار. وقوله تعالى: " لله الواحد القهار " تأكيد (1) للتنبيه والدلالة على تفرده تعالى بالملك دون من سواه، ويكون تقدير الآية كقول (2) القائل: يوم كذا وكذا لمن الأمر؟ في اليوم المذكور أليس هو لفلان أو فلاق؟ ولم يقصد بذلك تقريرا ولا استخبارا ولا إخبارا (3)، وإنما قصد الدلالة على حال المذكور في اليوم الموصوف، وهذا ما لا شبهة فيه، والله المحمود.
المسألة الحادية عشر. وسأل عن كلام الله، لموسى عليه السلام: بأي شئ كان ذلك، وقد علمنا أن النطق لا يخرج إلا عن (5) مكيف، تعالى الله عن ذلك! فما هذا النطق وما ورد فيه؟
والجواب - وبالله التوفيق - أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام بأن فعل كلاما له في الشجرة التي سمعه منها، أو في الهواء المتصل (7 ظ) بها (6). والكلام غير محتاج إلى كيفية المتكلم (7) به وإنما يحتاج إلى محل يقوم به، سواء كان لفاعله كيفية أم لم يكن (8) له. وكذلك (ما عدا) (9) الكلام من الأعراض كلها يحتاج إلى كيفية (10)
صفحه ۴۳
، ولا يفتقر في صحة العقل (1) لها إلى كيفية الفاعل (2). ولم يكن الفاعل فاعلا من حيث كانت له كيفية. ولا ذلك من حده وحقيقته ولا من شرط كونه فاعلا، بل حقيقة الفاعل خروج مقدوره إلى الوجود وهو معناه. وكل فاعل خارج مقدور. إلى الوجود فهو فاعل، فأما كون الشئ جسما أو جوهر أفليس من حدود الفاعلين و لا من حقائقهم ولا من (3) شروطهم، على ما ذكرناه.
والذي يدل على ذلك، أنه قد يعرف الفاعل فاعلا من لا يعتقد. جسما و لا جوهرا لا يعرفه بذلك. ويعرف الجسم جسما والجوهر جوهرا من لا يعتقده فاعلا ولا يعلمه كذلك ولا يجوز الفعلية منه، فعلم أن المتكلم لا يحتاج في كونه متكلما إلى كيفيته (4) إذ كان معنى المتكلم وحقيقته من فعل الكلام، بدلالة أن كل من عرف شيئا فاعلا للكلام، عرفه متكلما. وكل من عرفه متكلما، علمه فاعلا للكلام.
، ومن اشتبه الأمر في فعله للكلام اشتبه في كونه متكلما. وهذا واضح لمن تأمله، إن شاء الله.
(فصل) (5) فأما الوصف لكلام الله تعالى بأنه نطق، فمنكر من القول. و لا يجوز وصف الباري تعالى بالنطق وإن وصف بالكلام، إذ ليس معنى النطق معنى الكلام بل هما مختلفان في لسان العرب غير متفقين، إذ كان المتكلم عندهم من فعل الكلام، على ما بيناه. والناطق ما كانت له أصوات تختص بآلته المنبثة (1) في جملة جسمه، وإن لم تكن تلك الأصوات كلاما مفهوما، على ما ذكرناه. ولو لم يكن به شرع ولا تضمنه القرآن ولا أطلقه أحد من أئمة أهل الإيمان، لكفى، فكيف والقول فيه ما ذكرناه.
صفحه ۴۴