وقال في آل عمران في قصة مريم ﵍: (إذ قالت الملائكة
يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه - إلى أن قال: كذلكِ الله يخلق ما
يشاء.
وفي مريم: (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) .
وغير ذلك، بعد أن افتتح السورة بذكر الرحمة لعبد من خُلَّص عباده.
وختمها بأن كل من كان على نهجه في الخضوع لله يجعل له وُدًّا، وأنه سبحانه يَسَّرَ هذا الذكر بلسان أحسن الناس خَلْقًا وخلُقًا، وأجملهم كلامًا، وأحلاهم نطقًا.
وكرر الوصف بالرحمن - وما يقرب منه من صفات الإِحسان من الأسماء
الحسنى - في أثناء السورة تكريرًا يلائم مقصودها، ويثبت قاعدتها وعمودها.
فسبحان من هذا كلامُه، وعز شأنه، وعلا مرامه.
هذا يسير من إجمال ما فصله كتاب نظم الدرر، وحصَّله من أفانين
البلاغة والسور.
فذلك البحر الخضم، والطود العالي الأشم، فمن أراد التبحر في هذا
الفن فليربط نظره، وليحط بفنائه هممه، ويقف بأرجائه فكرة، والله الهادي.
وقد كان أفاضل السلف يعرفون هذا، بما في سليقتهم من أفانين
العربية، ودقيق مناهج الفكر البشرية، ولطيف أساليب النوازع العقلية، ثم
تناقص العلم حتى انعجم على الناس، وصار إلى حد الغرابة كغيره من
الفنون.
1 / 153