مصابیح ساطعه انوار
المصابيح الساطعة الأنوار
ژانرها
معاوية والأحاديث الموضوعة
قال ابن أبي الحديد: وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ألا تجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان أن انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به، وهدموا داره فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولاسيما بالكوفة حتى إن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يثق به فيدخله بيته فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع بهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم في ذلك بلية القراء المرآؤون، والمتصنعون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحضوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب فنقلوها ورووها، وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها، فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه، أو طريد في الأرض، ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين بن علي عليه السلام، وولي عبد الملك بن مروان واشتد على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي عليه السلام وموالاة أعدائه إلى آخر كلامه عليه السلام.
صفحه ۱۶۰