مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور
مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور
ناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
شماره نسخه
العدد١٢٩-السنة ٣٧
سال انتشار
١٤٢٥هـ
ژانرها
عَلَيْهِ من غير استكمال الأدوات وبذل غَايَة الوسع، هُوَ مَا يدْفع الْبَعْض إِلَى إِنْكَاره، أَو عدم الاهتمام بِمَا يُقَال فِيهِ على أقل تَقْدِير.. وَقد سبق أَن ذكرنَا شَيْئا من ذَلِك فِيمَا نقلنا عَن الإِمَام الفراهي عِنْد الحَدِيث عَن أهمية علم الْمُنَاسبَة، وَهُوَ مَا سنشير إِلَيْهِ لاحقًا أَيْضا فِي النَّوْع الثَّالِث من أَنْوَاع الْمُنَاسبَة.
ثَالِثا: الْمُنَاسبَة بَين السُّور (الْقُرْآن كوحدة وَاحِدَة):
وَهَذَا النَّوْع أدقُّ وأغمض من سابقيه، وَهُوَ النّظر إِلَى الْقُرْآن الْكَرِيم كلِّه على أَنه (كلمة وَاحِدَة) - كَمَا قَالَ الزركشى فِي تَعْبِيره المكثَّف (١) - وَهُوَ مَا عبر عَنهُ أديب الْعَرَبيَّة الْكَبِير الْأُسْتَاذ مصطفى صَادِق الرَّافِعِيّ - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - (١٨٨١ - ١٩٣٧م) بـ (روح التَّرْكِيب) فِي الْقُرْآن.. وَفِي ذَلِك يَقُول - ببيانه العالي، وديباجته الرائعة -:
«.. وَفِي الْقُرْآن مظهر غَرِيب لإعجازه المستمر، لَا يحْتَاج فِي تعرُّفه إِلَى رويَِّةٍ وَلَا إعنات، وَمَا هُوَ إِلَّا أَن يرَاهُ من اعْترض شَيْئا من أساليب النَّاس حَتَّى يَقع فِي نَفسه معنى إعجازه؛ لِأَنَّهُ أَمر يغلب على الطَّبْع، وينفرد بِهِ، فيُبين عَن نَفسه بِنَفسِهِ، كالصوت المطرب الْبَالِغ فِي التطريب.. لَا يحْتَاج امْرُؤ فِي مَعْرفَته وتمييزه إِلَى أَكثر من سَمَاعه ! ذَلِك.. هُوَ وَجه تركيبه، أَو هُوَ أسلوبه، فَإِنَّهُ مباينٌ بِنَفسِهِ لكلِّ مَا عرف من أساليب البلغاء فِي تَرْتِيب خطابهم، وتنْزيل كَلَامهم، وعَلى أَنه يواتى بعضُه بَعْضًا، وتناسب كل آيَة مِنْهُ كل آيَة أُخْرَى فِي النّظم والطريقة، (وتترابط كل سُورَة مِنْهُ مَعَ سابقتها ولاحقتها فِي الرّوح الْعَامَّة) .. على اخْتِلَاف الْمعَانِي، وتباين الْأَغْرَاض.. سَوَاء فِي ذَلِك مَا كَانَ مُبْتَدأ بِهِ من مَعَانِيه وأخباره، وَمَا
(١) الْبُرْهَان، ١/٣٩.
1 / 96