عجلان ثابت
زاملنا في الجامعة عاما ونصف عام، واتهم بسرقة طربوش فافتضح أمره واضطر إلى قطع دراسته. حدثني عنه في ذلك الوقت الأستاذ عدلي المؤذن فقال: إنه يعيش مع أم عجوز على معاش بسيط.
فقلت بأسف: لا أحد منا يستطيع معاونته، وكان النجاح والتفوق في ميسوره. - ولكنه كان قليل الأدب، ألا تذكر مناقشاته الحادة مع الدكتور إبراهيم عقل؟
فقلت بامتعاض: إنه أفضل في نظري من الدكتور إبراهيم عقل.
وفي أثناء تزاملنا اقتنعت بذكائه واجتهاده ووعيه، وكان ذا استعداد طيب لتعلم اللغات الأجنبية، كما كان قارئا ممتازا، وأذكر أنه ترجم - في تلك الفترة المبكرة في حياته - بعض قصائد شيللي ونشرها في مجلة المعرفة، وكان يقول لي: لا تحترم طالبا غير مهتم بالسياسة، ولا تحترم مهتما بالسياسة إن لم يكن وفديا، ولا تحترم وفديا إن لم يكن فقيرا.
فقلت له: ولكن سعد زغلول لم يكن فقيرا. - أما مصطفى النحاس فزعيم فقير! - هل تعني أن مصطفى النحاس خير من سعد زغلول؟ - كان سعد زغلول عبقريا أما مصطفى النحاس فإرادة نقية.
ولم يستطع - بعد انفصاله عن الجامعة - أن يجد وظيفة، فالوظيفة كانت مطلبا عسيرا لمن لا وساطة له، ولكن أحد أعضاء الوفد استطاع أن يلحقه بدار صحفية محايدة مترجما بأجر زهيد. وافترقنا نحوا من عشرة أعوام، وتقابلنا بعد ذلك مصادفة في مقهى الفيشاوي، ورحبنا بالمصادفة واعتبرناها سعيدة وسألته عن حاله فقال: ما زلت مترجما صحفيا وما زال الأجر زهيدا!
وضحك وكانت روحه المعنوية مرتفعة وقال: ولكني متزوج. - أنت مغامر! - إنه الحب، عليه اللعنة.
ودعاني إلى مسكنه بخان الخليلي فتعرفت بزوجته، وكانت فتاة حسناء، على قدر متوسط من التعليم، ولاحظت أنها متفانية في الحب وذات إرادة صلبة في مواجهة حياتها المتقشفة. ودار الحديث عن الحرب والسياسة، فقال: لم أعد وفديا كما كنت.
فدهشت، ولكنه صارحني بأنه «شيوعي»، وراح يؤكد لي أن الشيوعية حل لمشكلات العالم، ثم وهو يضحك: وحل لمشكلتي أيضا.
صفحه نامشخص