واقرأ إن شئت هذه الآيات التي صورت فيها قصة نوح وقومه وقسها إلى الآيات التي أثبتناها من سورة هود فسترى أنك حين تأخذ في قراءة الآيات هنا ستجد نفسك منساقا، بل مدفوعا إلى المضي في القراءة حتى تبلغ آخر القصة لا تقف بين آية وأخرى، وإنما تقف حين تبلغ ختام القصة لتتدبر وتتفكر. وأكاد أقطع بأنك إذا بدأت السورة من أولها فستمضي فيها إلى آخرها ثم تراجع نفسك بعد ذلك في جملتها وتفصيلها وفي روعتها وإعجازها:
كذبت قوم نوح المرسلين * إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * فاتقوا الله وأطيعون * قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين * قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين * قال رب إن قومي كذبون * فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين * فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون * ثم أغرقنا بعد الباقين * إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم .
وهذا الأسلوب الرائع مألوف في القرآن الكريم كما قدمناه يلتزم فيه تكرار آية بعينها أو غير آية للانتقال من حديث إلى حديث، كما في سورة الصافات وسورة القمر، وأحيانا لا يلتزم هذا التكرار، وإنما يرسل نظام الآيات إرسالا مع اتحاد الفواصل، كما في سور كثيرة من المفصل.
وفي القرآن أسلوب آخر من التكرار للتخويف حينا وللتعجيز حينا آخر كما ترى في سورة المرسلات من ختام الآيات دائما يقول الله عز وجل:
ويل يومئذ للمكذبين ، والسورة كلها تخويف، وكما في سورة الرحمن حيث تنتهي الآيات كلها بهذا الاستفهام الرائع:
فبأي آلاء ربكما تكذبان ، والسورة كلها تصف قدرة الله وتعدد آلائه على الناس.
وأسلوب آخر في القرآن تتسق فيه فواصل الآيات ويلتزم فيها أو في أكثرها نسق بعينه كالذي تراه في سورة مريم من ختام الآيات أو أكثرها بكلمات تنتهي بالياء المشددة المفتوحة:
كهيعص * ذكر رحمت ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا .
وعلى هذا النسق تمضي آيات السورة حتى تذكر قصة يحيى ومريم والمسيح وطائفة أخرى من الأنبياء لا تخالف عنه إلا في آيات قليلة.
والتزمت في قصة يحيى والمسيح آية بعينها مع شيء من الخلاف بين آخر القصتين، كان الحديث عن يحيى حديثا عن الغائب فقيل في آخر قصته:
صفحه نامشخص