وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون * ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون * وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون .
ثم يصف ذلة نفوسهم واضطرابهم إلى المخادعة وإباءهم بأن يعترفوا بهذه المخادعة؛ فيقول:
وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون * الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون .
ثم يشبههم بأصحاب التجارة الذين يبذلون أغلى الأثمان وأنفسها ليشتروا بها أبخس المتاع وأشده عليهم وبالا، ثم يعودون بعد ذلك بالخسران؛ فيقول:
أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين .
ثم يصورهم أروع تصوير وأبرعه حين يمثلهم مرة بالذي يبذل الجهد ويجد كل الجد ليستوقد النار فإذا اضطرمت وارتفع لهبها وأضاءت ما حوله وحول أصحابه، ذهب الله بما أتيح لهم من نور وتركهم في ظلمات لا يبصرون؛ فيقول:
مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون .
ثم يصور حيرتهم واضطرابهم بين الخوف والأمن وبين اليأس والأمل فيضرب لهم مثلا قوما أدركهم صيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق، فهم وجلون قد ملأ الخوف قلوبهم وخيل إليهم أنهم يرون الموت؛ فهم يضعون أصابعهم في آذانهم إشفاقا من الرعد والصواعق وحذرا من الموت. وهم يرون البرق يضيء ما حولهم فيمشون في ضوئه، فإذا انقطع البرق وعادت الظلمة قاموا في أماكنهم لا يدرون أين يذهبون، فيقول:
أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير .
وذكرهم الله في سورة النساء فصور ترددهم بين الإيمان والكفر، فهم يؤمنون ثم يكفرون ثم يرجعون إلى الإيمان، ثم يعودون إلى الكفر، ثم يزدادون كفرا، قد ملكت عليهم الحيرة أمرهم فهم لا يعرفون أي طريق يسلكون.
صفحه نامشخص