مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

Muhammad Nawawi al-Jawi d. 1316 AH
170

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد

پژوهشگر

محمد أمين الصناوي

ناشر

دار الكتب العلمية - بيروت

شماره نسخه

الأولى - 1417 هـ

ژانرها

تفسیر

ويتفكرون في خلق السماوات والأرض وعلى وفق هذه الآية

قوله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق»

«1» أي لأن الاستدلال بالخلق على الخالق لا يمكن وقوعه على نعت المماثلة، وإنما يمكن وقوعه على نعت المخالفة. فإذا نستدل بحدوث هذه المحسوسات على قدم خالقها وبكميتها وكيفيتها وشكلها على براءة خالقها عن الكمية والكيفية والشكل.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «من عرف نفسه عرف ربه» «2» . معناه من عرف نفسه بالحدوث عرف ربه بالقدم، ومن عرف نفسه بالإمكان عرف ربه بالوجوب، ومن عرف نفسه بالحاجة عرف ربه بالاستغناء.

فكان التفكر في الخالق ممكنا من هذا الوجه، أما التفكر في الخالق فهو غير ممكن ألبتة فإذا لا تتصور حقيقته إلا بالسلوب فنقول: إنه ليس بجوهر ولا عرض ولا مركب ولا في الجهة. ولا شك أن حقيقة المخصوصة مغايرة لهذه السلوب، وتلك الحقيقة المخصوصة لا سبيل للعقل إلى معرفتها فيصير العقل كالواله فلهذا السبب نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في الله وأمر بالتفكر في المخلوقات. فلهذه الدقيقة أمر الله في هذه الآية بذكره ولم يأمر بالتفكر فيه بل أمر بالتفكر في مخلوقاته.

قال بعض العلماء: «الفكرة تذهب الغفلة وتجلب للقلب الخشية كما ينبت الماء الزرع» .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع كل يوم مثل عمل أهل الأرض»

«3» . أي وذلك لأن عمله هو التفكر في معرفة الله لأنه لا يقدر أحد أن يعمل بجوارحه مثل ما عمل أهل الأرض، وإنما هو عمل القلب. واعلم أن دلائل التوحيد محصورة في قسمين:

دلائل الآفاق، ودلائل الأنفس. ولا شك أن دلائل الآفاق أعظم وأعجب فلو أن الإنسان نظر إلى ورقة صغيرة من أوراق شجرة رأى في تلك الورقة عرقا واحدا ممتدا في وسطها، ثم يتشعب من ذلك العرق عروق كثيرة إلى الجانبين، ثم يتشعب منها عروق دقيقة ولا يزال يتشعب من كل عرق عروق أخر حتى تصير في الدقة بحيث لا يراها البصر وعند هذا يعلم أن للخالق في تدبير تلك الورقة على هذه الخلقة حكما بالغة وأسرارا عجيبة، ولو أراد الإنسان أن يعرف كيفية خلقة الورقة

صفحه ۱۷۵