ولكني أرد عليه بأن مثل هذا القول قاله رياض باشا التركي لعرابي المصري عندما طلب هذا منه باسم الجيش أن يكون لمصر مجلس نيابي. فكان رد هذا المصري العظيم:
قد يكون الشعب المصري جاهلا، ولكن أليس من الممكن أن ننشئ مجلس النواب فيكون له بمثابة المدرسة يتعلم فيها، حتى إذا مضت ثلاث أو أربع سنوات أصبح النواب على معرفة بأصول الحكم وتقدير لواجباته فيكونون نوابا حقيقيين.
هذه هي إجابة عرابي التي استلهمها من إحساسه الوطني وذكائه وإخلاصه لبلاده. وهذا هو ما يجب أن نحس أيضا نحو أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؛ وهو أن دخولهن في البرلمان يعلمهن ويكسبهن التبعات الشريفة، ونظرة الجد للدنيا، وتحمل الواجبات الوطنية، ويفتح لهن آفاقا جديدة لخدمة الوطن في المجتمع والحكومة والمصنع والمزرعة والمكتب والمتجر؛ لأن هذه كلها لا يمكن أن تكون وقفا على الرجال دون النساء.
وعندما نسمع أن في الولايات المتحدة 33 مليون امرأة يعملن في الإنتاج القومي، صناعة وزراعة وتجارة، ألا نبصر بهذا السر لهذه القوة الإنتاجية العظيمة للأمريكيين، أو لبعض السر على الأقل؟
إن الإنتاج العظيم في أوربا وأمريكا يعزى، في بعضه، إلى أن الرجال والنساء يعملون، في حين أن إنتاجنا في مصر ضئيل فقير؛ لأن الرجال وحدهم يعملون فيه.
ولكن هذا النظر للمرأة من حيث اشتراكها في الإنتاج هو نفسه النظر إليها من حيث المساواة الدستورية بينها وبين الرجل. ولا يمكن أن نقبل أحد الجانبين دون الآخر.
يجب علينا، نحن المصريين، ألا نقنع بالنظرة الذكية لمستقبلنا؛ إذ يجب أن نتجاوزها إلى النظرة العبقرية.
لم يعد السعي الحثيث المثابر يكفينا؛ إذ يجب أن نثب الوثبة العالية ونطير ونحلق.
ويجب ألا نقنع بالمستوى العالي الذي وصلت إليه أوربا؛ إذ يجب أن نتجاوزه إلى ما هو أعلى منه.
ذلك لأننا قد تخلفنا، بفضل المستعمرين الأجانب والمستبدين المصريين، التخلف العظيم الذي يقتضينا الوثوب والسرعة والطيران.
صفحه نامشخص