وهذا الفهم الجديد أملته علينا حال اجتماعية جديدة، هي يقظة نحو عشرين ألف امرأة قد احترفن التعليم والطب والتجارة والصناعة والصحافة، ونحو مائة ألف عاملة مصرية يعملن ويرتزقن في المصانع.
وهؤلاء جميعا يؤلفن طبقة جديدة من النساء لم يعرفها تاريخنا الماضي، وهن اللائي أملين علينا هذه الإصلاحات الجديدة للعائلة، وهن اللائي غرسن في نفوسنا هذا الاحترام لهن والعناية بمصالحهن. وهن اللائي حملن لجنة الدستور على الاعتراف بالقليل من حقوقهن.
نصفنا الآخر
قبل أسابيع سألتني مجلة «الجيل الجديد» عن رأيي في لجنة الدستور من حيث ما ينقصها، فقلت إنه ينقصها أن يكون نصف أعضائها من النساء؛ أي ينقصها 25 امرأة يشتركن في وضع الدستور الجديد.
ولا بد أن القراء قد ضحكوا، كما ضحكت أنا، عندما أعطيت هذه الإجابة. فإن الجمعيات النسوية كانت تقنع بحضور واحد منها، وقد رفضت الحكومة اختيار هذا العضو من النساء، فكيف بي أتقدم باقتراح 25 عضوا؟
ولكني بإجابتي هذه إنما أردت أن أرج النائم حتى يستيقظ. فإننا قد نزلنا بمقام المرأة إلى حد لم يعد لها فيه ذكر، حتى إن اللجنة التي تبني نظام الدولة في المستقبل لا تبالي أن يكون بها امرأة واحدة.
فإن الجمهورية المصرية تحوي عشرين مليون إنسان، منهم عشرة ملايين من النساء. ولو أننا عرضنا على أحد البدائيين، الذين لم ترتبك رءوسهم بالمركبات الاجتماعية ولم ينشئوا على العادات المصرية، هذه المشكلة كي يحلها بسذاجته وفطرته لقال: «ما دام الشعب عشرين مليونا، ونصفه؛ أي عشرة ملايين من النساء، فيجب أن يكون نصف لجنة الدستور من النساء أيضا.»
ولكن هذا المنطق الفطري البدائي قد نأى عنا واغترب عن أوضاعنا حتى لنضحك عندما نجد من يدعونا إلى التسليم به. ولقد وصلنا بأوضاعنا الاجتماعية ومركباتنا التاريخية إلى أن صرنا نعامل المرأة المصرية كما كان الاستعماريون يعاملوننا حين كانوا ينكرون علينا حق الحكم النيابي، بل كما يعاملون الآن الزنوج وينكرون عليهم هذا الحق أيضا في أفريقيا وآسيا وأمريكا.
وإذن ألم يكن لي الحق في أن أرج النائم حتى يستيقظ، وحتى يجد جانبا آخر في منطقه قد خفي عنه؟
والذي لا شك فيه أننا لو كنا أمة متمدنة مائة في المائة، ولو كانت نساؤنا على المستوى الثقافي الذي بلغه الرجال، لما كان في اقتراحي ما يستغرب. ثم لو كنا على بصيرة نافذة لمستقبلنا، وعلى وجدان عميق بمركز المرأة وطاقتها في الإنتاج الصناعي القادم لكان يجب أن يكون تعيين بعض النساء في لجنة الدستور واجبا حتما علينا كي نستغله في إنهاض المرأة وإعدادها لمستقبلنا.
صفحه نامشخص