ونستطيع أن نقول، لهذا السبب، إن الفهم اجتماعي، وإنه على قدر اختلاطنا بالمجتمع يكون فهمنا وذكاؤنا، بل تكون عبقريتنا.
إذن من هو العبقري؟
عندما يكون أحدنا عبقريا في موضوع معين، يفكر فيه ويفتق في معانيه ويبتكر ويغير، فإنما يفعل كل ذلك لأنه تعمق هذا الموضوع؛ أي اهتم به واشتبك في تفاصيله وتردد بين مشكلاته. وما نسميه موضوعا علميا أو أدبيا أو فنيا إنما هو في النهاية موضوع اجتماعي؛ إذ ليس لكل هذه الأشياء أية دلالة إلا من حيث ارتباطها بالمجتمع. ونحن لا ننشط إلى بحثها إلا بحوافز اجتماعية.
وإذن الرجل العبقري هو الرجل الذي اهتم بالمجتمع واشتبك في مشكلاته أكثر من غيره، فتفتقت له معان من هذه الاشتباكات أكثر من ذلك الذي لم يشتبك والذي يعد، بالمقارنة إليه، كأنه في صحراء.
الذكاء والعبقرية هما صفتان اجتماعيتان. ونحن أذكياء ونحن عباقرة بقدر اهتمامنا بالشئون الاجتماعية التي نشتبك فيها ونحاول حلها ونكافح بآرائنا وعواطفنا فيها.
اعتبر رجلا قد ولد بمواهب طبيعية ممتازة، ولكنه - لسبب ما - منكفئ محجم لا يشتغل بشئون المجتمع، فهو هنا لا يبلغ في الذكاء ما يبلغه رجل لم يوهب مثله تلك المواهب الطبيعية ولكنه اشتبك بشئون المجتمع واهتم بها.
إننا كثيرا ما نجد شابا أو فتاة على ذكاء طبيعي كبير. والفحص عن قيمة هذا الذكاء أو مقداره سهل، ولكننا عندما نترك هذا الفحص الابتدائي للكفاءة الوراثية البيولوجية، نجد مثلا أن هذا الشاب أو هذه الفتاة لم يبديا أي نشاط يدل على ذكائهما. بل إنهما حين يعالجان موضوعا من الموضوعات العامة يبدو عليهما القصور الذي يقارب الغفلة. فما هو السبب؟
السبب أن كلا منهما قد نشأ في قيود نفسية وذهنية داخلية جعلت الخوف يشل ذهنه. ونحن نسمي هذا الخوف حياء أو وقارا. ولكن هذا الحياء أو هذا الوقار هو في صميمه خوف من التفكير والتعبير. أي إنه قيد لحرية التفكير والتعبير.
ذلك أن هناك عادات وقواعد وتقاليد تحول بيننا وبين التفكير الحر؛ أي التفكير السلس الذي يمضي في طريقه بلا عقبات. وأحيانا يمنعنا الخوف من العقوبة من التفكير الحر.
اعتبر الزنوج مثلا في أفريقيا الجنوبية، فإن البيض يقولون عنهم إنهم سلالة منحطة من البشر لا يحسنون التفكير؛ أي هم أغبياء.
صفحه نامشخص