والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف [البقرة: 233].
ولم تخل آية عرضت للطلاق من توكيد الأمر بالمعروف، والنهي عن الإساءة والإيذاء، والحث على مغالبة الشح والتقتير، وهي الحيطة التي لا مقترح وراءها على الشريعة وأحكامها، وإنما يكون الاقتراح على أخلاق الناس وعواطفهم وآدابهم، وليست هي مما تتولاه الشريعة بقوة الأحكام.
ومن الحسن أن يفرض على الناس طلب الكمال، ولكنه الأمل المنظور غير الواقع، وغير ما في الإمكان، بين مختلف الأمم والعصور. وما من شريعة إلهية أو إنسانية تصد الناس عن المثل الأعلى من الكمال المقدور لبني آدم وحواء، ولكنهم - إلى أن يدركوا شأوهم من كمالهم - لا ينبغي أن يجني أحدهم على غيره بجريرة تقصيره، بل جريرة التقصير الملازم لبني الإنسان أجمعين.
الفصل الحادي عشر
السراري والإماء
شرع الإسلام العتق ولم يشرع الرق.
فلم يكن للعتق أثر في شرائع الحضارات التي سبقت ظهور الإسلام، أما الرق فقد كان معروفا معترفا به في كل حضارة قديمة، وكان حكماء الأمم يقرونه ويرتبون نظام المجتمع على بقائه، ومنهم حكماء في طبقة أفلاطون وأرسطو من فلاسفة اليونان. وكان رؤساء الأديان يعتبرونه قضاء عادلا من الله، ويأمرون العبد بطاعة السيد، والإخلاص له، كما يطيع ربه، ولو لم يكن على دينه، وكان ساسة الأمم يحمون حق السيد على عبده ولا يعرفون للعبد حقا تحميه الدولة، حتى حق الحياة.
ولا يخطرن على البال أن الرق نظام مهجور في العصور الحديثة، بطل وامتنع بعد تحريم بيع الرقيق وشرائه منذ أواسط القرن التاسع عشر. فإن الواقع أن الرق على أصوله التي أنشأته في عصور الهمجية باق إلى القرن العشرين، وسيبقى بعدها ما بقيت الحروب، وبقيت عادات الأسر، وإجلاء سكان البلاد المغزوة من ديارهم، إلى أمد أو إلى غير أمد.
فالأسير اليوم هو الرقيق الأول بعينه وبالصفة القانونية التي يخولها آسروه أثناء أسره: يسخره الآسرون في أعمالهم، ويجردونه من الحقوق المدنية بينهم، ويعطونه من القوت ما يمسك الرمق أو يعينه على خدمتهم. ولا تفك عنه هذه القيود إلا إذا تبودل الأسرى بين المعسكرين المتقاتلين.
فكل ما استحدث من نظام الرق بعد تحريم البيع والشراء، فإنما هو أثر من آثار التطور في قيام الدولة الحديثة، وبعد أن كان العالم القديم يخضع لدولة واحدة، أو تتصارع فيه دولتان متناظرتان، متناحرتان، لا تهدأ الحرب بينهما فترة تسمح بالتفاهم على تبادل الأسرى، ولا تقع بينهما هدنة تتيح للأسير أن يرجع إلى قومه حتى تلحق بها حرب جديدة، يحل فيها فريق من الأسرى محل فريق.
صفحه نامشخص