46

إن قضية الزواج إحدى القضايا الإنسانية الكبرى التي يتم اعتدالها بين الدين والدنيا، فلا غنى عن وازع الدين في أمر يتعلق بالفضائل الجنسية، ولا غنى عن شروط المجتمع في أمر يتعلق بالمعائش والمعاملات، وقد كان لأحكام القرآن شرعتها الحميدة - على ما تقدم - في التوفيق بين مهمة المجتمع ومهمة الدين.

وقبل الانتهاء من هذا البحث نقول: إننا قد أوردنا فيه حقوق الشرع التي يدان بها الرجل والمرأة في زواج الاختيار وزواج الاضطرار، وبقي أن نختمه ببيان حق واحد للمرأة وجيز متفق عليه، نأتي به بعد تلخيص تلك الحقوق؛ لأنه يوازنها جميعا ويرجع بالأمر كله إلى حرية المرأة في إبرام عقد الزواج، فكل عقد من عقود الزواج باطل إذا أنكرته المرأة، وشكت إلى ولي الأمر إكراهها عليه. وفي الحديث الشريف: «إن الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها.» وفيه أيضا: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا البكر حتى تستأذن.»

وقد أبطل عليه السلام عقدا أبرم على كره من فتاة بأمر أبيها، إيثارا لتزويجها من ابن أخيه على تزويجها من غريب عنها، فاستدعى الرسول أباها فجعل الأمر إليها، فقالت الفتاة: «إنني أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء.»

ونقض النبي غير هذا - كما نقض الخلفاء - عقودا كثيرة، شكا فيها النساء إبرام عقد الزواج بغير مرضاتهن، بل نقضوا عقودا أبرمتها المرأة، ونفرت منها بعد العشرة الزوجية كما سيأتي في الكلام على الطلاق.

وإذا آل القول الأخير في إبرام عقد الزواج إلى المرأة، فالقوانين الاجتماعية تتحكم في حريتها ومصالحها التي ترتضيها لعائلتها وأبنائها، إذا ضربت عليها الوصاية كما تضرب على القاصر والقاصرة، وهي تزعم أنها تصون كرامتها وتحفظ عليها حريتها.

الفصل التاسع

زواج النبي

كان للنبي

صلى الله عليه وسلم

خصوصية في أمر تعدد الزوجات، جازت له قبل سريان حكم التقييد بعدد لا يزيد على أربع لسائر المسلمين.

صفحه نامشخص