وكلاهما ظلم نفسه بذنبه :
قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين [الأعراف: 23].
وليس على ذرية آدم وحواء من بنين وبنات جريرة تلحقهم بعد أبويهم أو تلحق أحدا من الأبناء بجريرة الآباء:
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون [البقرة: 134 و141].
وصح مكان المرأة في الحياة الجسدية كما صح مكانها في الحياة الروحية، بما فرضه القرآن الكريم على الإنسان من رعاية جسده، والمتعة الطيبة بخيرات أرضه ورغبات نفسه، فبرئت المرأة من لعنة الجسد، وارتفعت عن الوصمة التي علقت بها فجعلتها في خلقتها قرينة لشهوات الحيوان وحبائل الشيطان، ينجو من الشيطان من نجا منها، ويتنزه عن الحيوانية من تنزه عن النظر إليها.
لا جرم كان تصحيح النظر إلى مكان المرأة ناحية واحدة من نواح شتى في ذلك النظام الأدبي الشامل الذي يصحح النظر إلى حياة الروح وحياة الجسد، وإلى بواعث الخير والشر وإلى موازين التبعة والجزاء، وقوامه كله حق الوجود وحق المعيشة للكائن الحي من ذكر وأنثى ومن كبير وصغير، فلا يكتفي القرآن من المسلم باجتناب وأد البنات خشية الإملاق أو خشية العار؛ لأنها درجة لا تعدو أن تكون نجاة من ضراوة الوحشية لا ترتقي به إلى درجة الإنسان الأمين على حق الحياة، المؤمن بنصيب كل موجود من نعمة العيش والرعاية، بل يأبى القرآن للمسلم أن يتبرم بذرية البنات وأن يتلقى ولادتهن بالعبوس والانقباض:
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون [النحل: 58، 59].
وتتساوى رعاية الإنسان لأبيه وأمه، كما تتساوى رعايته لبنيه وبناته، وقد تخص الأمهات بالتنويه في هذا المقام، فإذا وجب الإحسان للوالدين معا، فالوالدة هي التي تعاني من آلام الحمل والوضع ما لا يعانيه الآباء:
ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها [الأحقاف: 15].
وإنما يصدر الإنسان عن شريعة الواجب - لا عن شريعة المنفعة - في رعاية الذرية من الإناث كرعاية الذرية من الذكور فلا يفوت القرآن الكريم أن شريعة المنفعة قد تلجئ إلى قتل الرجال واستحياء النساء، كما ألجأت هذه الشريعة قوما إلى وأد البنات واستحياء البنين. وكلا المصابين بلاء يتقى، ووزر يحسب على جناته من الأمم ومن الحاكمين.
صفحه نامشخص