ونكتفي بصفة واحدة على سبيل التمثيل؛ لأن شرح الصفات جميعها في تعددها وتباينها من وراء الحصر والإحصاء.
فالمرأة في صفة الأنوثة - وهي تنضوي إلى الذكورة - تحب الرجل الكريم؛ لأنه يغمرها بالنعمة، ويريحها من شدائد العيش، ويخصها بالزينة التي تزهيها وترضي كبرياءها بين نظيراتها، فضلا عما في الكرم من معنى العظمة والاقتدار.
ولكنك قد ترى هذه المرأة بعينها تتعلق ببخيل لا ينفق ماله على زينة أو متاع. فهل هي مناقضة لطبيعتها في هذا الانحراف العجيب؟ كلا بل هي لا تناقض طبيعة الكبرياء نفسها التي ترضيها عن كرم الكريم.
لأن المرأة يجرح كبرياءها أن ترى رجلا يستكثر المال في سبيل مرضاتها، ومتى جرحت المرأة في كبريائها أقبلت باهتمامها وحيلتها وغوايتها من حيث أصابها ذلك الجرح المثير، وليس أقرب من تحول الاهتمام إلى التعلق في طبائع النساء.
فالنزعة الواحدة قد تكون سبيلا إلى النقيضين في ظاهر الأعمال، ولكنهما نقيضان لا يلبثان أن يتفقا ويتوحدا عند المنبع الأصيل متى عرفنا كيف تنتهي الردة إليه.
وكلما ذكرت نقائض المرأة وجب ألا ننسى مصدرا آخر للتناقض في أخلاق النساء يفسر لنا كثيرا من نقائضهن، حيثما توقعنا شيئا من المرأة وأسفرت التجربة عن سواه.
ذلك المصدر هو درجات الأنوثة وأطوارها بين الظهور والضمور.
فالأنوثة صفات كثيرة لا تجتمع في كل امرأة، ولا تتوزع على نحو واحد في جميع النساء.
فليست كل امرأة أنثى من فرع رأسها إلى أخمص قدمها، أو أنثى مائة في المائة كما يقول الأوروبيون، بل ربما كانت فيها نوازع الأنوثة ونوازع غيرها إلى الذكورة، وربما كانت أنوثتها رهنا بقوة الرجل الذي يظهرها فلا تتشابه مع جميع الرجال. وربما كانت في بعض عوارضها الشهرية وما شابهها من عوارض الحمل والولادة أقرب إلى الأنوثة الغالبة، أو أقرب إلى الذكورة الغالبة، وقد كانوا فيما مضى يحسبون هذا التراوح بين الذكورة والأنوثة ضربا من كلام المجاز، فأصبح اليوم حقيقة علمية من حقائق الخلايا، وفصلا مدروسا من فصول علم الأجنة ووظائف الأعضاء.
وليس التناقض لهذا السبب مقصورا على النساء دون الرجال، فإن الرجل أيضا يصدق عليه ما يصدق على المرأة من تفاوت درجات الرجولة؛ إذ ليس كل رجل ذكرا من فرع رأسه إلى أخمص قدمه، أو ذكرا مائة في المائة كما يقال في اصطلاح الأوربيين، ولكن التناقض لهذا السبب يبدو في المرأة أغرب وأكثر، لامتزاجه بأسباب التناقض الأخرى ومحاولة الرجل أن يفهمها على استقامة المنطق كدأبه في تفهم جميع الأمور.
صفحه نامشخص