وذهب المصنف في بعض تحقيقاته إلى الاكتفاء بنية رفع الحدث؛ بناء على أن المراد منه هو المانع، ولو لا ارتفاعه لما أبيحت الصلاة، أو بحمله على الحدث السابق، والمتأخر من الحدث معفو عنه وإن لم ينو إباحته، بل لا يكاد يعقل نية الإباحة منه قبل وقوعه، وإنما هو عفو من الله تعالى (1).
وهذا القول ليس بعيدا من الصواب، فإنا لا نعقل من الحدث إلا الحالة التي لا يصح معها الدخول في الصلاة، فمتى أبيحت الصلاة زالت تلك الحالة، فارتفع الحدث بالنسبة إلى هذه الصلاة، بمعنى زوال المانع وإن بقي في غيرها.
وأيضا فإن النية إنما تؤثر في الإباحة من الحدث السابق عليها كما قلناه، لا المتأخر؛ إذ لم يعهد ذلك شرعا، والمتأخر مغتفر في هذه الصلاة، والسابق لا مانع من رفعه بالنية، وأولى بالصحة ما لو نوى رفع الحدث الماضي؛ لإمكانه واغتفار الطارئ.
فإن قيل: مع الإطلاق يكون الرفع مشتركا بين رفع الماضي ورفع الأثر المانع مطلقا، وصرف المشترك إلى أحد معنييه لا يجوز بغير قرينة؛ لأنه صرف إلى بعض المعنى.
قلنا: الإطلاق ينصرف إلى رفع القدر المانع من الدخول في الصلاة الذي يمكن رفعه بالطهارة، وقد تقرر أن ذلك ليس إلا السابق، ولو سلم أنه الجميع لكان المرتفع القدر المشترك بينهما، لا أحدهما، ولا كل واحد منهما.
وأما تخصيص الحدث بنفس الأثر المانع والاستباحة بالمنع وتجويز انفكاك أحدهما عن الآخر، فهو اصطلاح خاص، وليس في الدليل النقلي ما يدل عليه، بل إنما اقتضي كون المراد بالحدث هو الحالة المانعة من العبادة، وبالإباحة إزالتها ورفعها. غاية ما في الباب أنها قد ترتفع مطلقا بالنسبة إلى جميع الصلوات، وقد ترفع بالنسبة إلى صلاة واحدة، وهذا لا يكفي في تخصيص كل قسم باسم بحيث لا ينصرف إلى غيره وإن كان الوقوف مع المشهور أولى.
واعلم أن عطف دائم الحدث على المستحاضة من باب عطف العام على الخاص،
صفحه ۸۵