111

مقامات بديع الزمان الهمذاني

مقامات بديع الزمان الهمذاني

ویرایشگر

محمد محيي الدين عبد الحميد

ناشر

المكتبة الأزهرية

البَصْريُّ، وَهْوَ واللهِ رَجُلٌ نَظِيفُ الأَثْوَابِ، بَصِيرٌ بِصَنْعِة الأَبْوَابِ خَفِيفُ اليَدِ فِي العَمَلِ، للهِ دَرُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ! بِحَياتِي لا اسْتَعَنْتَ إِلا بِهِ عَلى مِثْلِهِ، وَهَذِهِ الحَلَقَةُ تَرَاهَا اشْتَرَيْتُهَا فِي سُوقِ الطَّرَائِفِ مِنْ عِمْرَانَ الطَّرَائِفِيِّ بِثَلاثَةِ دَنَانِيرَ مُعِزِّيَّة، وَكَمْ فِيهَا يَا سَيِّدِي مِنَ الشَّبَهِ؟ فِيهَا سِتَّةُ أَرْطَالٍ، وَهْيَ تَدُورُ بِلَوْلَبٍ فِي البَابِ، بِاللهِ دَوِّرْهَا، ثُمَّ انْقُرْهَا وَأْبْصُرْهَا، وَبِحَياتِي عَلَيْكَ لا اشْتَرَيْتَ الحَلَقَ إِلاَّ مِنْهُ؛ فَلَيْسَ يَبِيعُ إِلاَّ الأَعْلاَقَ، ثُمَّ قَرَعَ البَابَ وَدَخَلْنَا الدِّهْلِيزَ، وَقَالَ: عَمَّرَكِ اللهُ يَا دَارُ وَلاَ خَرَّبَكَ يَا جِدَارُ، فَمَا أَمْتَنَ حِيطَانَكِ، وَأَوْثَقَ بُنْيَانَكِ، وَأَقْوى أَسَاسَكِ، تَأَمَّلْ بِاللهِ مَعَارِجَهَا، وَتَبَيَّنْ دَواخِلَهَا وَخَوارِجَهَا، وَسَلْني: كَيْفَ حَصَّلْتَهَا؟ وَكَمْ مِنْ حِيلَةٍ احْتَلْتَهَا، حَتَّى عَقَدْتَهَا؟ كانَ لِي جَارٌ يُكْنى أَبَا سُلَيْمَانَ يَسْكُنُ هَذِهِ المَحَلَّةَ، وَلَهُ مِنَ المَالِ مَا لا يَسَعُهُ الخْزْنُ، وَمِنَ الصَّامِتِ مَا لاَ يَحْصُرُهُ الوَزْنُ، مَاتَ ﵀ وَخَلَّفَ خَلْفًا أَتْلَفَهُ بَيْنَ الخَمْرِ وَالزَّمْرِ، وَمَزَّقَهُ بَيْنَ النَّرْدِ وَالقَمْرِ، وَأَشْفَقْتُ أَنْ يَسُوَقُه قَائِدُ الاضْطِرَارِ، إِلَى بَيْعِ الدَّارِ، فَيَبِيعَهَا فِي أَثْنَاءِ الضَّجَرِ، أَوْ يَجْعَلَهَا عُرْضَةً لِلْخَطَرِ، ثُمَّ أَرَاها، وَقَدْ فَاتَنِي شِرَاهَا، فَأَتَقَطَّعُ عَلَيْهَا حَسَرَاتٍ، إِلَى يَوْمِ المَماتِ، فَعَمِدْتُ إِلَى أَثْوَابٍ

1 / 122