التوبة من الصغائر واجبة على ما ذكره الأشعري، وحكى إمام الحرمين وتلميذه الأنصاري الإجماع عليه، ومع ذلك فجميع الصغائر مكفرة بنص الشارع وإن لم يتب منها، على ما تقدم، وتحقيق ذلك أن التوبة واجبة في نفسها على الفور، ومن أخرها تكرر عصيانه بتكرر الأزمنة المتسعة لها كما صرخ به الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ولا يلزم من تكفير الله تعالى لذنوب عبده، بمعنى مغفرتها، سقوط شيء أوجبه الله عليه وهو مطالب به حالة المغفرة، فلا يلزم من كون الشيء مكفرًا جميع الذنوب سقوط التكليف بالشرط الذي كلف بها تكليفًا مستمرًا. وقريب من هذا ارتفاع الإثم عن النائم إذا أخر الصلاة عن وقتها مع الأمر بقضائها، لكن قد توقف السبكي في وجوب التوبة من الصغائر عينًا، وقال: لعل وقوعها يكفر بالصلاة واجتناب الكبائر بمقتضى أن الواجب إما التوبة أو فعل ما يكفرها، قال: وبتقدير الوجوب فيحتمل أنها لا تجب على الفور، وقال الزركشي عقب نقل ذلك: فيجتمع له في المسألة ثلاثة احتمالات: وجوب التوبة عينًا على الفور كالكبيرة، وهو مذهب الأشعري، ووجوبها لكن لا على الفور بخلاف الكبيرة، ووجوب أحد الأمرين التوبة أو فعل المكفر، قال: وكأن يرد الخلاف بين الأشعري وأبي هاشم إلى هذا، ونقول: ليس مراد الأشعري تعين التوبة، بل محو الذنب، وخالفه ولده تاج الدين، قال: والذي أراه وجوب التوبة عينًا، وعلى الفور من كل ذنب، نعم إن فرض عدم التوبة عن الصغيرة، ثم جاءت مكفرة كفرت الصغيرتين، وهما ترك الصغيرة وعدم التوبة منها. أ. هـ. وينبغي أن يكون مراده بتكفير عدم التوبة تأخيرها إلا أنّ التوبة تسقط بالمكفرات تصريحه بوجوبها عينًا، فهي كالصلاة وغيرها من الأفعال الواجبة، والمراد بالتوبة الندم على المعصية من
1 / 187