ونسينا الحجاب، أي بقاء المرأة في البيت، ونسينا البرقع، أي: قناع الوجه، وصارت المرأة المصرية تختلط بالرجل وتقابل الدنيا بوجهها المكشوف.
ولنا الآن في مصر أكثر من ثمانية آلاف طالبة في جامعاتنا الأربع، أما التلميذات في المدارس فيبلغن عشرات الألوف، والوعي التعليمي النسوي كبير بين الأسر الفقيرة، فقد كانت الفتاة قبل ثلاثين أو أربعين سنة تمضي حياتها إلى سن العشرين محجبة في البيت، سواء حصلت على شيء من التعليم الابتدائي أم لم تحصل، ثم تنشد الزواج في أقرب وقت.
أما الآن فهي تنشد التعليم الجامعي، وأسرتها تحثها على ذلك؛ لأنها عقب تخرجها من الجامعة تنال وظيفة حكومية أو عملا حرا تجني منه مرتبا شهريا محترما تعول به عائلتها، وأيضا تجد به الحرية في اختيار الزوج القادم الذي لا يكون اعتبار المال وحده هو كل شيء عنده.
وعندنا في مصر آلاف المعلمات والطبيبات والممرضات، كما أن عندنا أيضا عددا غير صغير من المحاميات والصحفيات، وكان ظهور المصانع، التي كان محرما إنشاؤها أيام الاحتلال الإنجليزي، قد جذب عشرات الألوف من الفتيات العاملات.
وهذه الحال الجديدة أكسبت المرأة كرامة، فألفت الجمعيات النسوية للمطالبة بحقوق جديدة دستورية ومدنية، فالدستور الجديد قد نص على حقها في الانتخاب والترشيح، وقد عاونت الحكومة هذه النهضة بأن فتحت أبواب وظائفها الحكومية لها، أو على الأقل بعض هذه الأبواب.
ولكننا مع ذلك ما زلنا بعيدين عن المساواة التامة بين الجنسين، فإن التفكير في تعيين المرأة كوزيرة أو سفيرة لا يزال بعيدا عنا، كما أن إطلاق حرية الزوج في الطلاق، وأيضا في تعدد الزوجات، وأيضا في بيت الطاعة، كل هذا مما تشكو منه المرأة الجديدة، ومما لا يزال بعيدا عن التفكير الشعبي العام.
ولكن قافلة الارتقاء تسير ، وهي تسير بقوة المرأة الجديدة التي تقرأ وتستنير، والوعي النسوي يكاد يكون عاما بين نساء المدن ولا يتخلف عن ذلك سوى المرأة الريفية التي لم يصل إليها التعليم نهائيا، ولا تزال محجبة إلا حين تعمل مع زوجها في الحقل، والتعليم وحده هو الكفيل بتغييرها وتطورها.
ولو سئلت: ما هي العوامل التي عملت على تحرير المرأة لكان جوابي: (1)
إن العامل الأول هو الاحتكاك بالحضارة الأوروبية في أشحاص الجاليات الغربية التي تقيم، أو كانت تقيم، منذ أكثر من سبعين سنة في مدننا الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، فإنها بعيشتها، وأزياء نسائها، ونشاطهن في الأعمال الحرة، أوجدت قيما وأهدافا جديدة أخذ بها المجتمع المصري. (2)
إن النهضة الاستقلالية منذ ثورة 1919 إلى الآن قد أحدثت، في غضونها ووفق اتجاهها، نهضة نسوية؛ لأن الوعي بالاستقلال السياسي أوجد وعيا بحرية المرأة وكراهة تخلفها. (3)
صفحه نامشخص