لقد أصاب كامل التلمساني، إن فؤاد ثم فاروق، قد أفسدا الأدباء والفنانين، وبدلا من أن ينهضوا بالثورة عليهما انحنوا وركعوا ومسحوا الأحذية، ولم ينج توفيق الحكيم من هذا الانهيار، فإن درامة «أهل الكهف» هو دعوة المجتمع اليائس إلى الموت؛ لأنه لا يجد أملا في حياته، أي أمل كنا نجده في نهضة مصر أيام فؤاد وفاروق، يؤيدهما الإنجليز المستعمرون والإقطاعيون المصريون؟
لم يكن اليائسون يجدون أي أمل، ولكن كان في مصر ثائرون غاضبون يبصرون بالصباح من خلال الليل القاتم البهيم، كان منا مثلا بيرم التونسي وعبد الحليم، اللذان لم يستسلما للموت، ولم يفكر واحد منهما في إيجاد كهف يموت فيه الصالحون، ويرفضون الحياة كما فعل توفيق الحكيم بأبطاله في «أهل الكهف».
وكان منا أدباء تمذهبوا بمذاهب الحياة الجديدة، ورفضوا الملوكية والموت واليأس.
إن آدابنا وفنوننا تحتاج إلى نهضة للتمذهب بمذاهب الحياة الجديدة، وليس بمذاهب الموت، آدابنا مثل فنوننا تحتاج كما يقول كامل التلمساني إلى ثورة.
نحو النظافة
من التحيات السامية التي أعتز بها، والتي قصد منها قائلها أن يسبني، قوله قبل نحو ربع قرن: «سلامة موسى المراحيضي»، وذلك أني كنت قد ألقيت محاضرة بالجامعة الأمريكية قلت فيها: إن الإصلاح الأول للريف يقتضينا سن قانون لإجبار المالكين على إيجاد مرحاض لكل منزل؛ لأننا بذلك نوفر النظافة للسكان كما نوفر لهم الصحة والكرامة، وحياني صحفي عريق في جهله بأني «مراحيضي».
وقبل أن يموت الدكتور خليل عبد الخالق تحدثت إليه في هذا الموضوع، فوجدت أنه قد درسه، وشرع يشرح لي ضرورة هذا الإصلاح، وكيف يمكن إتقان الديدان الطفيلية بصنع المرحاض على وضع وقياس معينين.
ثم قرأت في مجلة أمريكية مقالا للسيدة «رامونا بارت» عما أسمته حربا صليبية قامت بها كي تعمم «السيفون» في مراحيض الزنوج في نيويورك، والسيفون هو المضخة التي تكسح المرحاض وتنظفه.
ونفهم من مقالها أن منازل الزنوج كانت تحوي المراحيض، ولكن هذه لم تكن مزودة بالسيفونات لفقر سكانها، وكان لهذا أثره في القذر والعفن والذباب، وقامت هذه السيدة بجمع التبرعات وشراء السيفونات، وتزويد كل مرحاض بواحد منها، فهي مثلي كانت «مراحيضية» ولكنها تفوقت علي بكفاحها، فجعلت دعواتها عملية.
وما أجمل أن نكافح من أجل النظافة، وما أجمل أن نخدم الفلاحين وننظف منازلهم ونطهرها من القذر والعفن والذباب.
صفحه نامشخص