كنا نسير معا بخطى بطيئة رصينة؛ لأنه لم يكن يستطيع السير بسرعة كبيرة. كنا نجمع أحجارا تضم حفريات لمخلوقات غريبة من عصر آخر؛ نظرا لكونها قرية حصوية قد توجد بها مثل هذه الأحجار. وكان لكل منا مجموعته الخاصة في هذا الشأن، وقد ورثت عنه مجموعته عند وفاته واحتفظت بكلتا المجموعتين لسنوات عديدة، كانت بمنزلة رابط يصلني به، كنت لا أرغب على الإطلاق في الانفصال عنه.
كنا نسير عبر خطوط السكك الحديدية القريبة صوب السد الضخم الذي يحمل الخطوط عبر سكة حديدية أخرى وجدول كبير، كانت ثمة قنطرة ضخمة من الحجارة والأسمنت فوق هذه الأشياء. كان بإمكانك أن تنظر إلى أسفل من ارتفاع مئات الأقدام على السكك الحديدية الواقعة أسفلها . كنت قد ذهبت إلى هناك مؤخرا، لقد تقلص السد على نحو غريب؛ فلم تعد السكك الحديدية تمر عبره. لا تزال خطوط السكك الحديدية التابعة لشركة «كانديان باسيفيك» موجودة هناك، ولكنها ليست عميقة، وصار الجدول أصغر كثيرا ...
كنا نذهب إلى مشغل سجح الألواح الخشبية القريب ونشاهد المناشير وهي تدور وتصدر أصواتا عالية. كانت تلك هي أيام كل أنواع الأعمال الخشبية الأنيقة التي تستخدم لتزيين أركان المنازل وحوافها، أو الشرفات، أو أي مكان يمكن زخرفته. كان هناك جميع أنواع المشغولات ذات التصميمات المثيرة التي يمكنك أن تأخذها للمنزل.
في المساء كنا نذهب إلى المحطة، محطة جراند ترانك القديمة، أو محطة الزبد والبيض، كما كانت تعرف في لندن. كان بإمكانك أن تركز سمعك مع السكك الحديدية وتسمع دمدمة القطار وهو قادم من بعيد، بعدها يأتيك صوت صافرة من بعيد ويضطرب الهواء بالترقب والانتظار، وتصبح الصافرات أقرب وأعلى، وفي النهاية يصل القطار مندفعا أمام العيان، فترتج الأرض، وتتفتح السماوات، لينزلق الوحش العملاق وهو يهدر بمكابحه المعذبة ليتوقف في المحطة ...
كنا نشتري الجريدة اليومية المسائية هناك، كانت ثمة جريدتان لندنيتان، «ذا فري بريس» و«ذي أدفرتايزر». كانت الثانية تابعة لحزب الأحرار الكندي فيما كانت الأولى تابعة لحزب المحافظين.
لم يكن هناك حل وسط في هذا الشأن، فإما أن تكون على صواب وإما على خطأ. كان جدي ليبراليا صرفا من مدرسة جورج براون القديمة ويأخذ جريدة «ذي أدفرتايزر»؛ ومن ثم صرت أنا أيضا ليبراليا أنتمي إلى نفس الحزب، وما زلت كذلك حتى الآن ... وهكذا كانت الحكومات تختار في ظل هذا النظام الذي يعد أفضل الأنظمة جميعا وفقا لعدد الليبراليين الصغار أو المحافظين الصغار الذين بلغوا السن الكافية للتصويت ...
كان المحصل يمسك بمسند اليد بجوار السلم، ويصيح قائلا: «بورت»، ويشير بيده. فانطلق البخار عبر المحركات، وصلصلت العجلات وزمجرت وتحركت للأمام، أسرع فأسرع، أمام وحدات الوزن، وأمام الحظائر، وعبر القناطر، وظل يتضاءل ويتضاءل مثل مجرة منحسرة حتى اختفى القطار عن الأنظار متوجها نحو الشمال حيث العالم المجهول ...
ذات مرة كان لدينا ضيف، يحمل نفس اسمي من تورونتو، وهو أحد أبناء عم جدي. كان هذا الرجل العظيم معروفا بكونه مليونيرا، ولكنه كان مثيرا للإحباط، وليس به ما يثير الإعجاب تماما، مجرد نسخة أكثر لطفا قليلا وأكثر تهذيبا من جدي. جلس العجوزان تحت أشجار القيقب أمام منزلنا يتحدثان. ربما كانا يتحدثان عن الماضي مثلما يفعل العجز، فيما بقيت في الخلفية ملتزما الهدوء. لم يقل جدي على نحو صريح، ولكنه ألمح في رقة إلى أن الأطفال يرون ولا يسمعون.
في بعض الأحيان كانا يتحدثان باللهجة الاسكتلندية العامة الدارجة في المنطقة التي جاءا منها. لم تكن اللهجة الاسكتلندية التي تتميز بصوت الراء
R
صفحه نامشخص