نشر أندرو وشاحه حتى يصنع مقعدا مريحا لوالده. جلس الرجل العجوز وتأوه ثم وضع يديه على وجهه حتى تخرج كلماته وكأنها تخرج من أعماقه.
ثم قال: «لن أرى المزيد من هذا بعد الآن. ولن أصغي إلى أصواتهم العالية أو كلماتهم الشيطانية. ولن أدخل في جوفي أي شيء - ولو طعاما قليلا - حتى أرى شواطئ أمريكا.»
ويبدو أن أجنيس كانت تقول في نفسها إنه كان لديهم نفس هذا الشعور.
لماذا لم يتحدث أندرو صراحة إلى والده ويذكره بمن كان صاحب هذه الفكرة ومن بالغ في الحديث عن الأمر واستدان وتوسل حتى يصلوا إلى ما هم فيه الآن ؟
لم يكن أندرو ليفعل، ووالتر كان يمزح فقط، أما ماري، فقلما كانت تنبس بكلمة في وجود أبيها.
انحدرت أجنيس من عائلة كبيرة من النساجين ينتمون إلى بلدة هويك، يعملون الآن في مصانع بعد أن ظلوا يعملون لأجيال في المنازل. ولما كانوا يعملون في هذه البلدة، فقد تعلموا كل فنون الجدال والتعامل مع الآخرين ووضع الآخرين في حجمهم الحقيقي والنجاة في المواجهات والمواقف الصعبة. غير أن الدهشة كانت لا تزال تعتريها من طباع أفراد عائلة زوجها القاسية وخنوعهم وسكوتهم. ظنت منذ البداية أنهم صنف غريب من البشر، وكانت ما زالت تظن بهم هذا الظن. هم كانوا لا يقلون فقرا عن عائلتها، غير أنهم كانوا يتصورون أنهم أفضل من الآخرين. ما الذي كان لديهم لدعم هذا التصور؟ كان الرجل العجوز أضحوكة في حانة بلدته على مدار أعوام عديدة، وابن عمهم كان شاعرا كذوبا يرتدي ثيابا مهترئة، واضطر للانتقال إلى نيثسدال عندما لم يجد أحدا في إتريك يثق به ويوليه رعي الأغنام. تربوا كلهم على أيدي ثلاث من العمات اللاتي كن يشبهن الساحرات، واللاتي كن يفزعن من الرجال لدرجة أنهن كن يجرين ويختبئن في حظيرة الأغنام إن مر رجل من غير رجال العائلة بالقرب منهن على الطريق.
كما لو لم يكن من المفترض من الرجال أن يكونوا هم من يهربون منهن.
عاد والتر بعدما حمل مقتنياتهم الثقيلة ووضعها في مكان ما في باطن السفينة.
قال والتر والدهشة تعتريه: «إنكم لم تروا مثل هذا الجبل من الصناديق والحقائب وأجولة الطعام والبطاطس في حياتكم أبدا. على المرء أن يتسلق كل هذه الأكوام حتى يصل إلى أنبوب المياه. ولا يسع المرء إلا أن يسكب الماء في طريق عودته، وهو ما سوف يؤدي إلى بلل الأجولة وعطب ما بها.»
قال أندرو: «لم يكن عليهم جلب كل هذه الأشياء. ألم يتعهدوا بأن يطعمونا عندما سددنا لهم قيمة الرحلة؟» رد الرجل العجوز قائلا: «بلى، ولكن هل من الملائم لنا أن نأكل؟»
صفحه نامشخص