وإحقاقا للحق، لم يكن هذا مختلفا كثيرا عما كانت عليه الأمور في موطني؛ حيث كان الاستكشاف غير المجدي للأماكن المحيطة بك، أو إضاعة الوقت في تأمل الطبيعة - أو حتى استخدام تلك الكلمة، كلمة «الطبيعة» - يمكن أن يعرضك للسخرية من جانب الآخرين. •••
كانت ماري آن تحب التحدث حين نكون مستلقيتين على أسرتنا الصغيرة ليلا. أخبرتني بأن كتابها المفضل هو «كون-تيكي»، وأنها لم تكن تؤمن بالرب أو بالجنة.
قالت لي: «لي أخت متوفاة، ولا أصدق أنها تهيم في مكان ما في رداء نوم أبيض، إنها ميتة، إنها مجرد عدم.»
وأضافت: «كانت أختي جميلة، كانت كذلك مقارنة بي على أي حال، لم تكن أمي جميلة على الإطلاق، وأبي كان بحق قبيحا. كانت عمتي مارجريت جميلة في السابق ولكنها الآن بدينة، وجدتي كانت جميلة ولكنها الآن عجوز. وصديقتي هيلين جميلة، ولكن صديقتي سوزان ليست كذلك. وأنت جميلة ولكن لا يهم لأنك الخادمة. هل قولي هذا يؤذي مشاعرك؟»
فأجبت بالنفي. «أنا فقط الخادمة حينما أكون هنا.»
لم أكن أقصد بذلك أنني الخادمة الوحيدة على الجزيرة؛ فقد كان الخادمان الآخران زوجين، هنري وكوري. لم يكن عملهما يجلب لهما الشعور بالمذلة والدونية، بل كانا راضيين به. كانا قد قدما إلى كندا من هولندا قبل بضعة أعوام ووظفهما السيد والسيدة فولي، وهما والد ووالدة السيدة مونتجوي واللذان كانا يمتلكان الجزيرة، وعاشا في البيت الكبير الأبيض ذي الطابق الواحد، بمظلاته وشرفاته، والذي كان يوجد فوق أعلى نقطة من الأرض. كان هنري يجز الحشائش ويعتني بملعب التنس ويطلي مقاعد الحديقة ويساعد السيد فولي في شئون القوارب وتنظيف الممرات وإصلاح رصيف القوارب. أما كوري، فكانت تتولى الأعمال المنزلية وطهي الوجبات والاعتناء بالسيدة فولي.
كانت السيدة فولي تمضي كل صباح مشمس جالسة بالخارج على مقعد على سطح القارب، وكانت تمد قدميها لتغمرهما الشمس بأشعتها، وكان ملحقا بالمقعد مظلة لتحمي رأسها. كانت كوري تخرج وتغير لها وضعيتها مع تحرك الشمس، وتأخذها إلى الحمام، وتحضر لها أكواب الشاي وكئوس القهوة المثلجة. وقد كنت شاهدة على ذلك حين كنت أصعد إلى منزل آل فولي قادمة من منزل آل مونتجوي في مهمة ما، أو لوضع أو أخذ شيء ما من الثلاجة؛ فقد كانت الثلاجات المنزلية لا تزال ابتكارا حديثا نوعا ما وضربا من الرفاهية في ذلك الوقت، ولم تكن ثمة واحدة في منزل آل مونتجوي.
كنت أسمع كوري تقول للسيدة فولي: «لا تمصي مكعبات الثلج.» ومن الواضح أن السيدة فولي لم تكن تلقي بالا لها وأخذت تمص أحد مكعبات الثلج، فقالت كوري: «هذا سيئ. كلا. الفظيه. الفظيه فورا في يد كوري. هذا سيئ. أنت لا تفعلين ما تقوله كوري.»
قالت لي بينما كانت تلحق بي على الطريق المؤدي إلى داخل المنزل: «أخبرتهم بأنها قد تختنق حتى الموت، ولكن السيد فولي دائما ما يقول لي: أعطيها مكعبات الثلج، فهي تريد شرابا كأي شخص آخر؛ لذا أظل أخبرها وأخبرها ألا تمص مكعبات الثلج. ولكنها لا تفعل ما أقول.»
في بعض الأحيان، كنت أرسل لمساعدة كوري في تلميع الأثاث أو جلي الأرضيات، وقد كانت كثيرة المطالب ومنهكة للغاية، فلم تكن تمسح مناضد المطبخ فقط، بل كانت تجليها. وكانت كل حركة تقوم بها تحمل طاقة وتركيز شخص يجدف بقارب ضد التيار، وكل كلمة تنطق بها تنطلق وكأنها في رياح عالية من المعارضة. وحين كانت تعصر ممسحة تنظيف، كانت تبدو وكأنها تلوي عنق دجاجة. كنت أفكر أنه قد يكون مثيرا لو استطعت استدراجها للحديث عن الحرب، ولكن كان كل ما تقوله أن الجميع كانوا جائعين جدا وأنهم قد احتفظوا بقشر البطاطس لإعداد حساء.
صفحه نامشخص