بعد أن يدرك المرء المكان عن طريق الرسم، ثم عن طريق الهندسة، التي هي رسم عقلي، ينتقل انتقالا طبيعيا إلى الميكانيكا.
والواقع أن الميكانيكا قد بدأت بوصفها هندسة للآلات (الماكينات). والمقصود بالماكينات، الآلات التي يستخدمها الإنسان ليزيد من قدرته، ولكي يبذل قوة أقل للتغلب على مقاومة أكبر، كما هي الحال في «العتلة» الرافعة مثلا. وإذا حاول المرء فهم الصفة شبه السحرية للعتلة، فإنه يرسمها، وعندئذ يدرك أنها نوع من الميزان المائل غير المتعادل، ويحاول أن يفسر عدم تساوي الأثقال المتوازنة بعدم تساوي الذراعين.
7
المذهب العقلي أو الأولي يؤكد النشاط الفعال المستقل للعقل
ونتيجة ذلك هي أن أفلاطون ومالبرانش كانا على حق في الواقع؛ فهناك بالفعل عالم عقلي، بمعنى أن هناك عالما من الحقائق العقلية التي يدركها الذهن، بصرف النظر عن التجربة. غير أنه من الضروري أولا أن ننظر إلى هذا العالم على أنه «غير منفصل عن التجربة» أي أنه كامن فيها. فنحن نبنيه في التجربة ذاتها، حتى يتسنى لنا فهمها، والعالم المادي أثر من آثار التجربة، ولا يفهم إلا عن طريقها.
ثم يجب علينا النظر إلى هذا العالم على أنه ناتج عن فاعلية. فالعقل ليس سلبيا تجاه العالم الهندسي؛ بل إنه هو الذي «يخلقه» بأقوى معاني كلمة الخلق، أي بمعنى أنه هو أصل وجوده، وهو الذي يخترعه.
على أن هذا الإبداع لا يتم اعتباطا؛ بل هو أمر «يحقق» في كل لحظة، أعني أنه يدمج في حقيقة العالم المادي. فالإدراك الحسي يحقق في كل لحظة عن طريق الفعل المادي، والهندسة تحقق، وذلك لأنها لما كانت تستخدم أساسا لعلم الطبيعة وبالتالي للمعرفة العملية الخاصة بالمادة، فإن هذه الأخيرة هي السبيل إلى التحقق من صدقها.
8
العلم الأول للعدد هو الحساب الذي وضع الفيثاغوريون أسسه
ونصل الآن إلى رياضيات العدد. لقد كان الفيثاغوريون هم الذين وضعوا أسس علم العدد، ويمكن القول، بمعنى ما، إنهم قد اكتشفوه في السماء ذات النجوم، التي تتمثل لنا في أشكال وأعداد في الوقت ذاته، على هيئة مجموعات من النجوم، ولذا فإن الفكرة الأولى للعدد كانت تنحصر في نقط متجمعة في أشكال معينة، فالعدد المربع، مثل 9، شكل مكون من 9 نقط مجموعة في مربع، له ثلاثة خطوط في كل منها ثلاث نقط، وعلى هذا النحو بدا العدد منفصلا بوضوح، أي بدا مكونا من وحدات.
صفحه نامشخص