Sinécures
تعني العطايا التي تبذل للباحثين من رجال الدين حتى لا تشغلهم أعباء النفوس، أي دون أن يضطروا إلى الانشغال بها
sine cura ).
وتحولت هذه المنح في الوقت الحالي إلى وظائف الأستاذية لا يتعرض من يقوم بها كثيرا لمظاهر الخضوع، وإنما تتيح له استخدام معامل مزودة بمعدات جيدة، ولكن ما هكذا يكون الإثراء!
أما عن المجد، فهو يقتضي إنكارا للذات: وهو يأتي عادة بعد انتهاء حياة العالم؛ بل يحدث كثيرا أن ينسب إلى شخص مجهول. وإذا كان في وسعنا الآن، بوجه عام، أن نطلق على الكشف العلمي الحديث اسم من اهتدى إليه، فما ذلك إلا لأن المحدثين قد أصبحوا يتصفون بالحرص الشديد في الأمور المتعلقة بدقة التسجيل التاريخي، ولكن هذه الصفة حديثة إلى حد ما، ومن هنا لم تظهر في المراحل الأولى للعلم، منذ العصر القديم حتى عصر النهضة، سوى أسماء غير موثوق منها، وكثير منها خرافية أو أسطورية. وفضلا عن ذلك فألمع الأسماء في نظرنا اليوم لم يكن لها مثل هذا الصيت بين معاصريها على الإطلاق.
بل إن على العالم أن يروض نفسه على التضحية بهذا المجد غير المؤكد في ذاته، إذا ما ارتكب خطأ، أو غابت عنه فكرة. فقد كان «باستير» يدعو العالم إلى القيام بتجاربه «ضد فكرته الخاصة»، أعني أن ينقد نفسه؛ بل أن يعاديها، وبعد أن فند «باستير» بالتجربة نتيجة التجارب التي زعم «بوشيه
» أنه قد برهن بها على «التوالد التلقائي»، أعني تكون الكائنات الحية عن طريق عمليات كيميائية محضة، قال باستير: «إني أنتظر وألاحظ وأسأل الطبيعة، وأطلب إليها أن تتفضل بأن تعيد أمامي الخلق الأول من جديد، فكم يكون ذلك المنظر رائعا! غير أنها تظل خرساء.»
6
ففي هذه التجارب كان «باستير» يعمل إذن ضد ذاته، إذ إن ميوله الشخصية كانت تتجه إلى النتائج التي ظن «بوشيه» أنه قد وصل إليها. لكن بدت له تجارب «بوشيه» مثيرة للشك، ومعرضة لنقد شديد، ولهذا حرص على تنفيذها بدقة. حقا إن هذا التنفيذ قد جلب له المجد رويدا رويدا، ولكن كان ذلك على الرغم منه.
روح النقد ضرورية للعالم
صفحه نامشخص