à
أما إذا كان الشيء (من حيث هو موضوع للحواس) هو الذي ينظم تبعا لطبيعة قدرتنا على الإدراك الحسي، فعندئذ أستطيع أن أتصور هذا الإمكان بكل وضوح.»
22
وبعبارة أخرى، فقد أحدث «كانت» في الفلسفة انقلابا مماثلا لانقلاب كبرنك في علم الفلك؛ إذ بدد الفكرة الوهمية التلقائية التي تدعو المرء إلى اعتقاد أن الواقع الخارجي يفسر الإدراك الحسي تفسيرا كاملا، وينطبق عليه انطباقا تاما، كأن يظن المرء مثلا أن النجوم تدور حول المشاهد لأنه «يراها» تدور حوله، وقد بين «كانت» أن هذا الإدراك الحسي تمثل
representation
أي تدخل من جانب الذهن الذي يحدد الموضوع، ويقرره على نحو ما، كما أكد أن هذا التمثل تدخل إيجابي للذهن الذي يفهم الأشياء لكي يتعرف عليها باعتبارها حقيقة واقعة في الوقت ذاته، وهذا ما فعله كبرنك عندما حمل على المذهب التلقائي القائل بمركزية الأرض، واستبدل به مذهبا عقليا يقول بمركزية الشمس. وهذا المنهج يسمى «بالمثالية». فالمثالية هي تفسير الحقيقة الخارجية عن طريق الحكم الواقعي، وتفسير الحكم الواقعي بالعقل الذي يريد أن يفهم.
ويطلق «كانت» على هذه الفلسفة اسم «الترنسندنتالية». ولقد كان المدرسيون يطلقون هذا الاسم على المحمولات التي تنطبق على كل الموجودات، مثل صفة كون الشيء «واحدا» أي كونه يكشف عن وحدة داخلية، أما «كانت» فيطلق اسم «الفلسفة الترنسندنتالية» على تلك الفلسفة التي تفرض على الوجود «شروطا قبلية» مصدرها العقل. ولنلاحظ أن هذه الفلسفة ليست في أساسها جديدة كل الجدة، وذلك لأن «ديكارت» عندما بدأ تأملاته بالشك المنهجي، ووضع «الكوجيتو» أنا أفكر إذن أنا موجود، قد قال في الواقع نفس ما قاله «كانت». فالشك تكذيب للواقعية الساذجة في الإدراك الحسي التلقائي، والكوجيتو تعريف للحقيقة، وأنموذج كل حقيقة، فليست هناك حقيقة سوى ما أفكر فيه بوضوح وما أفهمه، بل إن في وسعنا الاهتداء إلى أقدم أصول الفلسفة الترنسندنتالية في مثالية أفلاطون.
برهان الحتمية
وإذن ف «كانت» يسمي البرهان على مبدأ ما برهانا ترنسندنتاليا، إذا كان يثبته عن طريق الشروط القبلية للتمثل، فهو بعبارة أخرى، البرهان الذي يؤكد وجود الحقيقة الخارجية عن طريق ضرورة الفهم. (1) الجوهر
يأتي مبدأ الجوهر بالشرط الأول الذي ينبغي توافره لكي يدرك الذهن أي تغير، وهذا الشرط هو أن يظل شيء ما «ثابتا» وسط التغير، إذ لو كان التغير كاملا، لقضى على نفس المعيار الذي يمكن من إدراكه. (2) السببية
صفحه نامشخص