258

منطق و فلسفه علوم

المنطق وفلسفة العلوم

ژانرها

غير أن حرف العطف (الواو) قد يشير إلى عملية أخرى للفكر. فعندما نقول «الأشخاص الذين يسكنون إنجلترا» و«الذين ينتمون إلى جنس الذكور» لا نكون بإزاء عملية جمع أو ضم لفئتين من الأفراد، وإنما بإزاء نوع من التأليف، أو «الضرب» بين فئتين: فنحن نرمي في هذه العملية إلى الإشارة إلى الأفراد الذين ينتمون إلى طائفتين في آن واحد، ويمكننا التحقق من أن هذه العملية المنطقية لها خصائص شكلية مشابهة لخصائص الضرب المنطقي - باستثناء خاصية واحدة سنذكرها فيما بعد. وعلى ذلك نرمز لهذه العملية المنطقية بعلامة الضرب ×، ونسميها بالضرب المنطقي.

ولنلاحظ أن اللغة المتداولة تستخدم حرف الواو ذاته في وظيفتين مختلفتين، أما المنطق فيقضي على هذا الخلط، هو يدفع الذهن إلى المضي في التحليل إلى أقصى درجاته. ففي حالات معينة تؤدي الواو وظيفة علامة الجمع + وفي حالات أخرى تؤدي وظيفة علامة الضرب × فإذا ما عبرنا عن الفئة بدائرة، أمكننا تصوير هاتين الحالتين بالشكلين الآتيين:

فالتعبيران: «سكان إنجلترا»، و«الذين ينتمون إلى جنس الذكور»، تدل عليهما عندئذ حروف س، ص ... كما في الجبر. ويعبر عن الهوية بعلامة التساوي، وعلى أساس هذه الرموز يمكننا بالفعل أن ننشئ «حسابا» من نوع الحساب الجبري، لا يتسع المجال هنا لإيضاح تفاصيله. فمثلا نعبر عن تساوي التعبيرين «الأشخاص الذين يسكنون إنجلترا وينتمون إلى جنس الذكور» و«الأشخاص الذين ينتمون إلى جنس الذكور ويسكنون إنجلترا» بقانون في صورة جبرية هو س × ص = ص × س: أي أن الضرب المنطقي قابل للتبديل مثله في ذلك مثل الضرب الجبري.

وحين وضع بول هذا الحساب المنطقي لم يدع أن ماهية المنطق جبرية، وإنما أراد فقط أن يؤكد أنه «إذا أمكن التعبير عن العمليات الجبرية والمنطقية برمز واحد، فإن تعبيراتهما الرمزية تخضع لقوانين واحدة.»

10

ومن الممكن دائما أن يصطلح على تصور عملية منطقية معينة عن طريق رمز خاص بعملية جبرية معينة، ولكن ليس هناك ما يضمن أننا متى ارتضينا رموز الجبر للتعبير عن العمليات المنطقية فإن التفسير المنطقي لهذه الرموز يفضي إلى قوانين مشابهة لقوانين الجبر. غير أن هذا هو ما حدث بالفعل، فقد استعرنا من الجبر المادة الرمزية: كالحرف س، ص والعلامات +، ×، = ... إلخ. ولما عبرنا عن خاصية منطقية بوساطة هذا النظام الرمزي، أي حين عبرنا مثلا عن قابلية الضرب المنطقي للتبديل، اهتدينا إلى علاقة هي بعينها العلاقة الجبرية: س × ص = ص × س.

غير أن هناك استثناء نبهنا إليه من قبل، فإذا كنا في المنطق نضرب فئة في ذاتها فسيكون الناتج هو هذه الفئة ذاتها.

وهو ما تعبر عنه علاقة س × س = س (فإذا قلنا «الأشخاص يسكنون إنجلترا ويسكنون إنجلترا في الوقت نفسه» كان هذا مجرد تكرار)، ومن هنا لم يكن في الجبر المنطقي أسس.

على أن الصيغة س × س = س لا تصح في الجبر إلا إذا كانت س هي صفر أو 1. وعلى ذلك فالجبر المنطقي يختلف عن الجبر الأولي في أنه يعترف بأن الصيغة س × س = س صحيحة على الدوام.

ولكن مثلما أن الرياضيات الحديثة تحتوي على «هندسات». كذلك يحتوي الجبر على نظم مختلفة، تتكون عن طريق تغيير نسق البديهيات الأساسي فحسب. ومن هذه الأنواع الحديثة في الجبر يوجد نوع هو النظرية التي وضعها بول، ولهذا السبب يسميه الرياضيون «جبر بول» وهذا الجبر يتميز عن الجبر الأولي بأنه لا يقبل أسسا، وإذا كان «بول» قد استخدم الرمزية الجبرية لوضع دعائم منطق جديد فإنه في الواقع قد خلق جبرا جديدا.

صفحه نامشخص