15
وفي المقام الثاني توصف الظاهرة الاجتماعية بأنها قاهرة
coercitif . ويرجع ذلك، على وجه الدقة، إلى أنها خارجة عن الأفراد، والقهر الذي تمارسه الجماعات يمكن أن يتشكل بصورة متباينة: (1)
فقد يكون نوعا من القوة المادية، كما في الحتمية الطبيعية: وعلى هذا النحو تفرض قيمة سلعة أو قطعة من النقود. (2)
وقد يكون جزاءات منظمة (تقننها وتقضي بها محكمة تم تأليفها) أو جزاءات غير رسمية (كالتمجيد أو التحقير، وهما جزاءان ليس لهما قانون ثابت؛ يصدران عن الرأي العام). (3)
السخرية التي تلحق بمن يخالفون العادات دون قصد، أو يستهينون بقواعد الذوق الشائعة. (4) موضوع علم الاجتماع (أ) التصورات الجماعية
les représentations collectives
مم تتكون الظاهرة الاجتماعية التي نعرفها على هذا النحو؟ تتكون أولا - على حد قول دوركيم - من «التصورات الجماعية» أي من أساليب التفكير والشعور والسلوك التي تبدو في تصرف الفرد على أنها تعبير عن سيطرة الجماعة. وأوضح الأمثلة لذلك هي استجابات الفرد عندما يندمج في جماعة «في حالة انفعال قوي» كما يحدث بمناسبة احتفال أو عيد أو اجتماع سياسي. فهنا يتبلور «الشعور الجماعي» مؤقتا على الأقل، ولكن إلى جانب هذه الاستجابات الانفعالية، يرى دوركيم، أن أسمى أنواع نشاط الوعي تتوقف هي الأخرى على شروط اجتماعية؛ فتأمل المفكر المنعزل يفترض تراثا ثقافيا معينا، واعتمادا على مفاهيم يعجز الفرد وحده عن تكوينها. وهذه الثقافة ينبغي أن تنسب إلى الشعور الجماعي الذي يتميز به مجتمع معين في عصر معين.
ويمكن دراسة هذه التصورات الجماعية دراسة وضعية. فكما أن المدرسة السلوكية في علم النفس قد اعتزمت فيما بعد أن تدرس في الفرد ما يمكن ملاحظته عليه من الخارج، أعني سلوكه، دون أن تلح في التساؤل عما يحدث في «أعماقه الباطنة»، فكذلك ركز «دوركيم» انتباهه، في كتاب «تقسيم العمل» بوجه خاص، على بحث الظواهر التي يمكن ملاحظتها على نحو أكثر يسرا، أعني الظواهر التي يتجلى فيها طابع الخارجية والقهر الذي تتميز به الظاهرة الاجتماعية بأوضح صورة، كالظواهر التشريعية. فقانون العقوبات بوجه خاص، يكشف في طريقة صياغته وتطبيقه عن الوعي أو الضمير الجماعي للجماعة. ومع ذلك، فما كان هذا ليمنع دوركيم من أن يقوم بتحليل نفساني دقيق للمعتقدات الدينية، كما فعل في كتابه «الصور الأولية للحياة الدينية»
les formes elémentarines de la vie religieuso
صفحه نامشخص