إن الفم يفضي إلى مجريين أحدهما من قدام وهو الحلقوم ويسميه المشرحون قصبة الرئة. والآخر موضوع من خلف ناحية القفا على خرز العنق ويسمى المريء وفيه ينفذ الطعام والشراب. وأما الحلقوم فإنما يخترقه وينفذ فيه ومنه الريح الذي يدخل ويخرج بالتنفس. وقد جعل له صمام يلزمه وينطبق عليه في وقت الازدراد لئلا يدخل شيء مما يزدرد فيه. وإن دخل فيه في وقت ما شيء يسير مما يؤكل أو يشرب حدثت منه في قصبة الرئة دغدغة وحالة ألم مؤذية شبيهة بما يحدث في الأنف عند اجتلاب العطاس بإدخال سحاءة وما أشبهها فيه وهاج لذلك سعال شديد حتى يقذف ويرمي ما دخل فيها. وقد هيئت هذه الهيئة بغاية الصواب وذلك أن هذا المجرى لما كان نافذا إلى الرئة، وليست الرئة من آلات الغذاء بل من آلات التنفس، ولا لها منفذ من أسفل، وكان كل ما يقع فيها يضيق النفس، وكان واجبا أن يحتاط في ذلك. وقد احتيط فيه وأحكم غاية الإحكام حتى لا يكاد يحدث ذلك إلا في الندرة. وذلك أنه إذا كان الإنسان يبتلع ويصيح، أو يتكلم ويتنفس في حالة واحدة، ثم لا يزال السعال هائجا حتى يخرج ذلك منه عن آخره.
وقد هيىء في هذا الموضع آلة يكون بها الصوت. وذلك أن الصوت إنما يكون من النفس، وهو مادته. وهي في هذه المواضع آلات موافقة لكون الصوت، وليس لكون ضرب واحد منه فقط بل لكون جميع ضروبه فيها العضو المسمى الحنجرة. وهي مؤلفة من ثلاثة غضاريف تأليفا موافقا لكون الصوت والجسم الشبيه بلسان المزمار وهي أشرف آلات الصوت. والعضل الكثير العدد المهيأ لكون الحركات التي يحتاج إليها في هذا الموضع يتكون عن ضروب تشكله ضروب الصوت. وهذه الأعضاء، أعني قصبة الرئة والرئة كلها والصدر كله بجميع عضله وأغشيته والحجاب، هيئت من أجل التنفس، ويكون بعد عمل التنفس الصوت بالحنجرة والجسم الشبيه بلسان المزمار وبعد ذلك النغم والحروف بمعونة اللسان والشفة والأسنان وغيرها مما في الفم.
في هيئة الصدر والرئة:
صفحه ۶۲