والمرة السوداء نوعان: النوع الأول المرة السوداء الطبيعية، وهي عكر الدم ويسميها الحكماء الخلط الأسود ولا يسمونها المرة السوداء ليفصلوا ما بين المرة السوداء الطبيعية والمرة السوداء الخارجة عن الطبيعة. والنوع الثاني من المرة السوداء خارج عن الطبيعة ويكون من الاحتراق، وهذا النوع لا يخلو أن يكون إما من احتراق الخلط المسمى الخلط الأسود الذي هو عكر الدم، وإما من احتراق المرة الصفراء بإفراط الحرارة عليها، وإما من احتراق الدم إذا احتد وفسد. وقال بعض العلماء إنه يكون من احتراق البلغم إذا عفن وطالت عفونته وكثرت الحرارة فيه وصيرته عكرا غليظا أسودا أرضيا. فالمرة السوداء التي تسمى الخلط الأسود الشبيه بعكر الدم، منفعتها في البدن كثيرة، وأنها إذا خرجت بالقيء أو غير ذلك لم يوجد لها طعم معلوم ينسب إليه، وإذا صارت على الأرض لم تغل الأرض كما تغلي من الخل إذا لاقاها. ولم تتقرح الأعضاء التي فيها. ولها خاصية ثالثة وهي أن الذباب والبعوض وسائر الحيوانات إذا شمتها وذاقتها لم تهرب منها. ولها خاصية رابعة، وهي أنها إذا كثرت في البدن وفاضت واندفعت من الطبيعة خف لها البدن وسر بخروجها ولم يتأذ بذلك بل يقوى على أفعاله الطبيعية بخروج بعضها. ويستدل على المرة السوداء الخارجة من الطبيعية بخواصها المخالفة لخواص المرة السوداء الطبيعية المسماة الخلط الأسود. وذلك أن أول خاصيتها أن طعمها طعم عفصي حامضي. ولها خاصية أخرى أنها تقرح جميع الأعضاء التي تمر فيها. وخاصيتها. الثالثة أنها إذا لاقت الأرض غلت عليها وانتفخت وفعلت كفعل الخل بها. ولها خاصية رابعة، وهي أن الذباب والبعوض وسائر الحيوانات إذا شمتها هربت منها وتنحت عنها. كما أنها لها خاصية خامسة وهي أن في خروجها هلاك للبدن وبواره لصعوبة مخرجها وتقرح الأعضاء التي تمر بها. كما قال أبقراط إن سحج الأمعاء الذي يكون من المرة السوداء قتال مميت.
في هيئة الأعضاء:
الأعضاء منها ما يشبه بعض أجزائها بعضا وتدعى المتشابهة الأجزاء، كالعظام والعصب والعروق واللحم والشحم. ومنها ما لايشبه بعض أجزائها بعضا، كالرأس والصدر واليدين والرجلين.
صفحه ۳۳