فبين «أبو على» بعده في هذا الباب، لأن قوله، فما له من ولي من بعده»، المراد به في الآخرة، عند اضلال الله لهم بالعقوبة، وأراد تعالى بقوله «فهو وليهم اليوم» في دار الدنيا، وتقييده بذكر اليوم يدل على ذلك، ثم بين أنه لو كان المراد، في وقت واحد، لم يتناقض، لأن المراد فما لهم من ولي، ينفع وينصح وكون الشيطان وليا، لا يقتضي أن ينصر، وينفع، ويخلص من الاضلال، فكيف تكون مناقضة. ومنها ما ادعى ابن الراوندي أن قوله جل وعز: «إن كيد الشيطان كان ضعيفا «1»»
ينقض قوله سبحانه: «استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله» «2».
وقوله: «وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين» «3»، وزعم أن ما يستحوذ عليه، وعلى قلبه، ويصده، لا يجوز أن يكون ضعيف الكيد، وأن التناقض في ذلك ظاهر.
ويقول أبو علي: إن المراد بأن كيد الشيطان ضعيف، أنه لا يقدر على أن يضر بالكافر، وإنما يوسوس ويدعو فقط، فان اتبعه لحقته المضرة، وإلا فحاله على ما كان، فهو بمنزلة فقير يوسوس إلى الغني في دفع ماله إليه، وهو يقدر على الامتناع، فان وافقه فليس ذلك لقوة كيد الفقير، لكن لضعف رأيه واتباعه.
وهذه طريقة الكفار مع الشيطان، وإنما استحوذ عليهم، لما اتبعوه، على طريق المجاز.
صفحه ۱۳۰