346

ما إلى البدن ، لا من حيث حقيقتها وجوهرها ، كما سيظهر وجه ذلك.

وقوله : «إن أول ما يجب أن نتكلم فيه إثبات وجود الشيء الذي يسمى نفسا ، ثم نتكلم فيما يتبع ذلك» أي إثبات وجود الشيء الذي يسمى نفسا من حيث إنه يسمى نفسا ، أي من حيث إنه يطلق عليه هذه اللفظة ، ومن جهة أن له إضافة إلى البدن ومقيس إليه.

وقوله : «إنا قد شاهدنا أجساما تحس وتتحرك بالإرادة ، بل نشاهد أجساما تغتذي وتنمو وتولد المثل ...» الى آخره

يريد إثبات النفس الأرضية المتناولة للنباتية والحيوانية والإنسانية ، من حيث إنها نفس ولها إضافة ما إلى الجسم الذي هي نفس له ، بأنا نشاهد أجساما تحس وتتحرك بالإرادة ، سواء كانت تحس وتتحرك بالإرادة الجزئية فقط كما غير الإنسان من الحيوانات ؛ أو كانت تحس وتتحرك بالإرادة الجزئية والكلية جميعا ، كما في الإنسان ، بل نشاهد أجساما تغتذي وتنمو وتولد المثل ، كما في النبات ، وكما في الحيوان والإنسان أيضا.

وإنما قدم ذكر ما يختص بالحيوان والإنسان ، لكون الغرض الأصلي منها إثبات النفس الحيوانية ، بل الإنسانية ، وأن إثبات النفس النباتية إنما هو لأجل وجودها في الحيوان ، بل في الإنسان. فلذا ذكر ما يختص به النبات ثانيا وعلى سبيل الترقي من السابق.

ثم إنا حيث شاهدنا ذلك ، علمنا أن لتلك الأحوال المشاهدة في تلك الأجسام مبدأ غير خارج عن ذوات تلك الأجسام ، أما بيان ثبوت المبدأ لها فظاهر ، وأما كونه غير خارج عنها ، فلأنا حيث شاهدنا وجود تلك الأحوال في تلك الأجسام ، نحكم بأن مباديها يجب أن تكون موجودة فيها أو معها ولو بوجه ، وهذا أيضا ظاهر. وسيأتي زيادة بيان لذلك.

وعلمنا أيضا أن ليس ذلك المبدأ نفس جسميتها المشتركة ، وإلا لاشترك جميع الأجسام في تلك الأحوال ، وليس الأمر كذلك. فبقي أن يكون ذلك المبدأ غير جسميتها

صفحه ۱۸