117

دفع إيراد عن المحقق الطوسي رحمه الله

من أن ما أورده هو نفسه على الإمام من الإلزام بتفويض أحد الفاعلين الطبيعيين تدبيره إلى آخر ، وارد عليه أيضا في تفويض نفس الأبوين حفظ المزاج إلى الصورة المنوية التي هي من قوى النفس المولود.

وبيان الدفع أن فعل نفس الأبوين إنما هو أصل الجمع وحفظ الأجزاء إلى أن يحصل المزاج ، وفعل الصورة المنوية إبقاء المزاج وحفظه بعد ذلك ، والفعلان متغايران ، فلم يفوض نفس الأبوين فعلها الخاص بها إلى الصورة المنوية ، بل انقطع فعلها وحدث فعل آخر من فاعل آخر حدث. وهذا بخلاف ما قاله الإمام حيث إنه قال : إن تدبير المزاج من حيث الوجود والبقاء جميعا كان في عهدة نفس الام ، ثم فوضته إلى الناطقة ، ففوضت فعلها الخاص بها إليها ، فتبصر.

الأمر الثاني

ومن تلك الامور التي ينبغي التنبيه عليها ، أن أول كلام المحقق الطوسي رحمه الله في تحقيقه ، وإن كان يوهم أن النفس النباتية والحيوانية والناطقة نفوس متغايرة وذوات مختلفة بالماهية متفاضلة في الكمال ، كما هو رأي بعضهم ، لكن التمثيل الذي ذكره لتلك القوى والنفوس في أحوالها من مبدأ حدوثها إلى استكمالها ، وكذا قوله أخيرا : «فجميع هذه القوى كشيء واحد متوجه من حد ما من النقص إلى حد ما من الكمال ، واسم النفس واقع منها على الثلاث الأخيرة ، فهي على اختلاف مراتبها نفس لبدن المولود» يدل على أن هذه النفوس ، بل الصورة الحافظة لمزاج المني أيضا التي هي كالصورة المعدنية كلها بحسب الذات ، والحقيقة شيء واحد يتزايد كمالاته بحسب استعدادات يكتسبها في مراتبه. وهو في تلك المراتب باق بحسب الذات من غير فساد أمر من ذاته ولا تكون أمر في ذاته وله قوى متعددة مختلفة بسببها يصير أفعال تلك الذات الواحدة متغايرة مختلفة ، كما هو رأي جمهور الحكماء ، وهو الحق كما سيأتي تحقيقه وكأنه لأجل ملاحظة وحدتها بالذات وتعددها بحسب الأفعال والآثار قال : إنها كشيء واحد ولم يقل إنها شيء واحد.

صفحه ۱۶۶