[204] وقد يعرض الغلط في السكون أيضا من أجل خروج شفيف الهواء عن عرض الاعتدال. وذلك أن البصر إذا نظر إلى ماء جار، وكان الهواء نقيا صافيا، وأدرك جرية الماء وأدرك حركته، ثم غشي ذلك الموضع ضباب قوي وشمل ذلك الضباب سطح الماء، فإن البصر إذا نظر إلى ذلك الماء في حال اشتمال الضباب عليه وأدركه فإنه لا يدرك جريته إذا لم يكن الماء شديد الجرية، وإنما يدركه كما يدرك الماء الواقف الساكن. وذلك لأن جرية الماء يدركها البصر من إدراكه لتكاسير سطح الماء في حال جريته، وتكاسير سطح الماء من المعاني اللطيفة التي يدركها البصر، لأن تكاسير سطح الماء إنما يدركها البصر من إدراكه لاختلاف أوضاع أجزاء سطح الماء، وسطح الماء متشابه اللون، واختلاف أوضاع أجزائه ليس تكون في غاية البيان. والمبصرات التي يدركها البصر في الضباب ليس يدرك صورتها إدراكا محققا ولا يدرك المعاني اللطيفة التي تكون فيها. فالبصر إذا نظر إلى الماء الجاري، وكان الضباب مشتملا على سطح ذلك الماء، فإنه يدرك ذلك الماء كأنه ساكن ولا يحس بجريته.
[205] وإذا أدرك البصر الماء الجاري ساكنا فهو غالط في سكونه. ويكون غلطه غلطا في القياس، لأن السكون يدرك بالقياس. وعلة هذا اللغلط هو غلظ الهواء، لأن البصر إذا نظر إلى ذلك الماء وكان الهواء نقيا صافيا فإنه يدرك جرية ذلك الماء على ما هي عليه، إذا كانت المعاني الباقية التي في ذلك الماء، التي بها يتم إدراك المبصرات على ما هي عليه، في عرض الاعتدال.
.ي. .يه.
[206] وقد يعرض الغلط في الخشونة وفي الملاسة وفي الشفيف وفي الكثافة وفي الظل والظلمة من أجل غلظ الهواء. وذلك أن المبصر الذي يدركه البصر في الضباب وفي الدخان وفي القتام الكثيف، إذا كان في سطحه خشونة يسيرة، فليس يدرك البصر الخشونة التي تكون فيه لأنه لا يتحقق صورة السطح الذي يدرك في الضباب وفي الدخان وفي الغبار الكثيف. وكذلك إذا كان صقيلا فإنه لا يدرك صقاله. وإذا لم يتحقق البصر الخشونة التي في سطح المبصر ولا الصقال وشدة الملاسة فإنه ربما شبه المبصر الخشن السطح بمبصر أملس السطح، وربما شبه المبصر الأملس بمبصر خشن السطح إذا كان ذلك المبصر شبيها به في المعاني الظاهرة التي يدركها من ذلك المبصر. وإذا كان ذلك كذلك كان البصر غالطا فيما يظهر من خشونة الخشن وملاسة الأملس.
[207] وكذلك إذا كان المبصر مشفا. وكان شفيفه يسيرا، وأدركه البصر في الضباب أو في الدخان أو في الغبار الكثيف، فإنه لا يدرك شفيفه، أو يدرك شفيفه أقل ما هو. فإن أدرك شفيف المبصر أقل مما هو عليه فهو غالط في شفيفه. وإن لم يدرك شفيفه فهو يظنه كثيفا ويكون غالطا في كثافته.
صفحه ۵۰۱