[18] وأيضا فإن أثبت المعتبر النار عند ثقب الصفيحة حتى لا ينتقل ولا يتغير الجزء منها المقابل للثقب، ثم ميل الأنبوب حتى يصير وضعه مائلا على سطح الصفيحة وطرفه مع ذلك عند الثقب، وسد خللا إن انكشف من طرف الأنبوب ومن ثقب الصفيحة مما يلي باطن الصفيحة، وقابل الأنبوب بالجسم الكثيف، فإنه يجد الضوء يظهر على الجسم الكثيف. وإن غير وضع الأنبوب وميله إلى غير تلك الجهة وقابله بالجسم الكثيف الذي يظهر عليه الضوء وجد الضوء يظهر عليه أيضا. وإن ميل الأنبوب إلى جميع الجهات وجد الضوء يمتد من ذلك الجزء من النار إلى جميع الجهات التي تقابله على الاستقامة. ثم إن حرك تضييق الأنبوب أصغر ومع ذلك أخفى وأضعف من الضوء الأول. فيظهر النار حتى يقابل الثقب جزءا منها غير ذلك الجزء، واعتبر هذا الجزء أيضا بالأوضاع المائلة كما اعتبر الجزء الأول، وجد الضوء يمتد منه أيضا في جميع الجهات التي تقابله. وكذلك إن اعتبر كل جزء من النار وجده على هذه الصفة. فيظهر من هذا الاعتبار أن الضوء يشرق من كل جزء من النار في كل جهة تقابل ذلك الجزء على سمت الاستقامة.
[19] ويتبين من جميع ما ذكرناه أن كل جسم مضي ء من ذاته فإن الضوء يشرق من كل جزء منه على كل سمت مستقيم يمتد من ذلك الجزء.
[20] وإذا كانت هذه الحال تظهر في الأجزاء من الأجسام المضيئة من ذواتها فإن الأجزاء الصغار أيضا منها، وإن كانت في غاية الصغر ما دامت حافظة لصورتها، فإنها أيضا مضيئة، والضوء يشرق منها على الصفة التي تشرق من الأجزاء الكبار وإن <خفيتت> أحوال الأجزاء الصغار عن الحس، إذ هذه الحال في الأجسام المضيئة من ذواتها طبيعية وخاصة لازمة لذواتها، وطبيعة صغار الأجزاء وكبارها طبيعة واحدة ما دامت حافظة لصورتها، فالخاصة التي تخص طبيعتها تكون في كل جزء منها صغر أم كبر ما دام على طبيعته وحافظا لصورته. وأيضا فإن الشمس والقمر والأجرام السماوية ليست أجزاء مجتمعة، بل كل واحد منها جسم واحد متصل وطبيعته واحدة وليس فيها اختلاف وليس موضع منها مخالف الطبيعة لموضع آخر. وكذلك النار ليست أجزاء مجتمعة بل جسم متصل وكل موضع منها شبيه الطبيعة بالمواضع الباقية وطبيعة ما صغر من أجزائها شبيه بطبيعة كبار الأجزاء ما دام الجزء الصغير حافظا لصورة النار.
صفحه ۸۱