کتاب المناظر

ابن هیثم d. 430 AH
177

کتاب المناظر

كتاب المناظر

ژانرها

[52] فالذي يدركه البصر بمجرد الحس هو الضوء بما هو ضوء واللون بما هو لون. ثم جميع ما يدرك بحاسة البصر من بعد الضوء واللون ليس يدرك بمجرد الحس بل إنما يدرك بالتمييز والقياس والمعرفة مع الحس، لأن جميع ما يدرك بالتمييز والقياس من المعاني المبصرة إنما يدرك من تمييز المعاني التي في الصورة المحسوسة. وكذلك ما يدرك بالمعرفة ليس يدرك إلا من إدراك الأمارات التي في الصورة المحسوسة. فالمعاني التي تدرك بالتمييز والقياس والمعرفة من المعاني المبصرة إنما تدرك مع الإحساس بالصورة. والضوء الذي في الجسم المضيء من ذاته يدركه البصر على ما هو عليه وعلى انفراده من نفس الإحساس، والضوء واللون اللذان في الجسم المتلون المضيء بضوء عرضي يدركهما البصر معا وممتزجتين ويدركهما بمجرد الإحساس. فالضوء الذاتي يدركه الحاس من إضاءة الجسم الحاس، واللون يدركه الحاس من تغير صورة الجسم الحاس وتلونه مع إدراكه لإضاءة الجسم الحاس بالضوء العرضي الممازج لذلك اللون. فالحاس يدرك من الجسم الحاس عند حصول صورة اللون فيه ضوءا متلونا، ويدركه عند حصول صورة الضوء الذاتي فيه ضوءا مجردا. وهذان المعنيان فقط هما اللذان يدركهما البصر مجرد الإحساس.

[53] وأيضا فإنا نقول إن إدراك اللون بما هو لون يكون قبل إدراك مائية اللون، أعني أن البصر يدرك اللون ويحس أنه لون ويعلم الناظر إليه أنه لون قبل أن يحس أي لون هو. وذلك أنه في حال حصول الصورة في البصر قد تلون البصر، فإذا تلون البصر أحس أنه متلون، وإذا أحس بأنه متلون فقد أحس باللون. ثم من تمييز اللون وقياسه بالألوان التي قد عرفها البصر يدرك مائية اللون، فيكون إدراك اللون بما هو لون قبل إدراك مائية اللون، ويكون إدراك مائية اللون بالمعرفة. والذي يدل على أن البصر يدرك اللون بما هو لون قبل أن يدرك أي لون هو هو المبصرات التي ألوانها قوية كالكحلي والخمري والمسني وما أشبه ذلك إذا كانت في موضع مغدر ولم يكن الموضع شديد الغدرة. فإن البصر إذا أدرك اللون من هذه الألوان في الموضع المغدر فإنما يدركه لونا مظلما فقط ويحس أنه لون ولا يتميز له أي لون هو في أول إدراكه. فإذا كان الموضع ليس بشديد الغدرة فإن البصر إذا تأمل ذلك اللون فضل تأمل أدرك أي لون هو. وإن قوي الضوء في ذلك الموضع تميز للبصر أي لون هو ذلك اللون. فيتبين من هذا الاعتبار أن البصر يدرك اللون بما هو لون قبل أن يدرك أي لون هو.

صفحه ۲۳۶