[24] ويوجد أيضا المبصر إذا قرب من البصر قربا شديدا وقبل أن يلتصق بسطح البصر فإنه تعظم جثته عند البصر وتشتبه صورته وتلتبس المعاني اللطيفة التي تكون فيه فلا يمكن البصر تمييزها وتحققها. وكلما قرب من سطح البصر بعد هذه الحال قربا أكثر كان التباسه أشد، حتى إذا التصق بسطح البصر بطل إحساس البصر به ولم يدرك منه إلا ستره فقط.
[25] وإذا كان جميع ذلك كذلك فالبعد إذن الذي منه يدرك البصر المبصر إدراكا صحيحا ليس هو بعدا واحدا معينا، والبعد الذي تشتبه منه صورة المبصر وخفى أجزاؤه الصغار، وتخفى المعاني اللطيفة التي تكون فيه وتشتبه وتلتبس، ليس هو بعدا واحدا معينا. فلنسم جميع الأبعاد التي يدرك منها البصر المبصر ويدراك جميع أجزائه ويدرك جميع ما فيه من المعاني التي يصح أن يدركها البصر، ويكون إدراكه له وللمعاني التي فيه إدراكا لا يكون بينه وبين حقيقة المبصر وبين حقيقة المعاني التي فيه تفاوت محسوس بالإضافة إلى حقيقته ولا تخالف صورته التي تحصل في الحس صورته الحقيقية خلافا يمكن أن يظهر فيه تفاوت محسوس عند التأمل، أبعادا معتدلة، وإن كانت كثيرة وذات عرض. ولنسم الأبعاد التي يخفى منها المبصر، والأبعاد التي تخفى منها أجزاء المبصر التي لها نسبة محسوسة إلى جملة المبصر، والأبعاد التي تخفى منها المعاني اللطيفة التي تكون في المبصر التي قد تظهرمن الأبعاد المعتدلة، والأبعاد أيضا التي تلتبس منها هذه المعاني وتشتبه، الأبعاد الخارجة عن الاعتدال ما كان منها مسرفا في البعد عن البصر وما كان منها مسرفا في القرب منه.
[26] وإذ قد تبين أن البصرليس يدرك شيئا من المبصرات إلا إذا كان فيه ضوء ما إما من ذاته وإما من غيره، وكان كثير من الأجسام المبصرة قد يظهر ضوؤها على الأجسام المقابلة لها ويظهر ضوؤها على البصر عند إدراك البصر لها، فقد وجب أن نبحث عن خواص الأضواء وعن كيفية إشراق الأضواء، ونبحث أيضا عما يعرض بين البصر والضوء، ثم نجمع بين ذلك وبين ما يخص البصر ونتلطف في القياس ونتوصل إلى النتيجة.
صفحه ۷۱