[74] وإذا كان المبصر الواحد يدرك في بعض الحوال واحدا وفي بعض الأحوال اثنين، وفي كلى الحالين له في البصرين صورتان، دل ذلك على أن هناك حاسا آخر غير البصر تحصل عنده للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدا صورة واحدة مع حصول صورتي ذلك المبصر في البصرين وتحصل عنده للمبصر الواحد عند إدراكه اثنين صورتان، فإن الإحساس إنما يتم بذلك الحاس لا بالبصر فقط. ففي إدراك المبصر الواحد في بعض الأحوال واحدا وفي بعض الأحوال اثنين دليل على أن الصور التي تحصل في البصر تتأدى إلى الحاس الأخير، وأن بالحاس الأخير يكون تمام الإحساس لا بالبصرفقط، وفيه دليل على أن الصورتين اللتين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدا تلتقيان قبل إدراك الحاس الأخير لهما.
[75] وأيضا فإن الإحساس إنما يمتد من الأعضاء إلى الحاس الأخير في الأعصاب المتصلة بين الأعضاء وبين الدماغ. وإذا كان قد تبين أن الصور تمتد من البصر إلى الحاس الأخير الذي في مقدم الدماع فالصور إذن تمتد من البصر في العصبة الممتدة بين البصر وبين الدماع إلى أن تصل إلى الحاس الأخير. وإذا كان قد تبين أن الصورتين اللتين تحصلان للمبصر الواحد في البصرين في حال إدراك المبصر واحدا تمتدان إلى الحاس الأخير وتلتقيان قبل إدراك الحالس الأخير لهما، وكان امتداد الصور إلى الحاس الأخير إنما هو في الأعصاب، فإن هاتين الصورتين إذن تمتدان من البصرين في العصبتين الممتدتين من البصر وتلتقيان في الموضع الذي تلتقي فيه العصبتان. وقد تقدم في هيئة البصر أن العصبتين اللتين تمتدان من الدماع إلى البصرين تلتقيان عند مقدم الدماغ وتصيران عصبة واحدة، ثم تفترقان وتنتهيان إلى البصرين. وإذا كانت الصورتان تمتدان من البصرين في العصبتين وتلتقيان عند التقاء العصبتين فالصورتان إذن اللتان تحصلان في البصرين للمبصر الواحد في حال إدراكه واحدا تمتدان من البصرين وتنتهيان إلى العصبة المشتركة وتلتقيان في هذه العصبة وتصيران صورة واحدة. وإذا كان هاتان الصورتان تنتهيان إلى العصبة المشتركة فجميع الصور التي تحصل في البصر من صور المبصرات تنتهي إلى العصبة المشتركة.
[76] وما يدل دليلا واضحا على أن صور المبصرات تمتد في تجويف العصبة وتنتهي إلى الحاس الأخير ومن بعد امتدادها في تجويف العصبة يتم الإبصار هو أن هذه العصبة إذا حصل فيها سدة بطل الإبصار، وإذا زالت السدة عاد الإبصار تشهد بذلك صناعة الطب.
صفحه ۱۶۶