والعمل، ومن نظر في علوم أئمتنا رأي من علوم علمائهم ما يعجز عنه الأَحبار، ومن عبادة متعبديهم ما يقصر عنه الرهبان، ولا نظر إلى صورة الترهبن، فإن التعبد بموافقة المشروع ومخالفة الهوى أَشد وأَعظم. فالعلم والعمل بحمد الله في أُمتنا فاش كثير غير أَني بحثت عن نائلي مرتبة الكمال في الأَمرين- أَعني العلم والعمل- من التابعين ومن بعدهم، فلم أَجد من ثمَّ له الأَمران على الغاية التي لا يخدش وجه كمالها نَوع نقص، سوى ثلاثة أَشخاص: الحسن البصري، وسُفيان الثوري، وأحمد بن حنبل. وقد جمعتُ كتابًا يحوي مناقب الحسن، وكتابًا يجمع فضائل سفيان، ثم رأَيت أَحمد بن حنبل أَولى بذلك منهما لأنه جمع من العلوم ما لم يجمعا، وحمل من الصبر على إقامة الحق ما لم يحملا، وإني رأَيت جماعة قد جمعوا مناقبه؛ فمنهم من قصر فيما نقل، ومنهم من لم يرتب ما حَصّل، فرأَيت أَن أصرف بعض زمني إلى تهذيب كتاب يشتمل على مناقبه وآدابه، ليعرف المقتدي قدر من اقتدى به، والله الموفق.
1 / 4