اعتراف وشكر للسلف الصالح
وأمام هذا الاختلاف بين رواة السنة من الأئمة المحدثين وأمام وجود الروايات لأحاديث متعارضة في كتب المحدثين، ومنها الأمهات الست وغيرها، فالزيدية أمام هذا كله لا يمكن إلا أن يعترفوا لأئمة الحديث الذين سارعوا إلى تدوينه وكتابته ووضع علم الحديث بجميع مصطلحاته، فإنهم مشكورون عند الله وعند خلقه ولهم فضيلة السبق إلى تدوين حديث رسول الله ، وهم وإن اختلفوا ووقع الخطأ برواية الموضوعات أو حصل الاضطراب في سند الحديث أو متنه فعذرهم واضح، وكل منهم قد أدى طاقته في التحري، وهناك أمران كبيران تدارك الله بهما هذه الأمة المحمدية:
أولهما: ما قام به الصحابة والخلفاء الراشدون من جمع القرآن الكريم بعضه إلى بعض في مصحف واحد مرتب ومدون، كما سمعوه من رسول الله وكما حفظه الصحابة، ومنهم القراء الكرام، وتواتر بعدهم حرفا حرفا، وقام بروايته وقراءته جماعة عن جماعة وجيل عن جيل، كما كان عليه التنزيل، وهذه هي النعمة الكبرى التي تولاها الله سبحانه وهيأ لها حفظها من التغيير أو التبديل مصداقا لوعده سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}[الحجر:9].
وأول من دون القرآن الكريم في مصحف شامل وخطه كاملا بيده هو أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه كتبه كاملا بخط يده .
والأمر الثاني: هو ما هيأه الله سبحانه وتعالى بقيام رجال من التابعين وتابعيهم في القرون الأوائل من الهجرة النبوية بحفظ وكتابة حديث رسول الله وتدوينه وروايته بلفظه وسنده واشتمال ذلك على أقوال الرسول وأفعاله وتقريره لأفعال أو أقوال غيره بحضرته؛ لأنه لا يجوز عليه ترك البيان عن وقت الحاجة، وأول تدوين لمجموعة كبيرة من حديث رسول الله هو مسند الإمام زيد بن علي عليهما السلام، ويرجع تأريخه إلى سنة 120ه، وهذه هي النعمة الكبرى الثانية.
صفحه ۷۷