وهذا الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- كان منابذا لسلطان الجور، وقد روى في مسنده الكثير عن طريق الإمام علي وأولاده ومنهم جعفر الصادق وكثير من آل رسول الله كما روى من أحاديث الفضائل لأئمة آل رسول الله وذريته الشيء الكثير، وكان من أصحاب الإمام الشافعي وصفوة تلاميذه وروى كثيرا عن عبد الرزاق الصنعاني اليمني.
فإن قلت: إذا كان الأئمة الأربعة موالين لآل رسول الله فلماذا حصل اختلاف بين فتاوى الفريقين في مسائل معلومة من الأحكام الشرعية في مختلف المؤلفات؟
قلت: إن ذلك هو شأن العلماء المجتهدين لا يمكن أن يفتوا ولا يقرروا إلا ما صح عندهم واطمأنت إليه أنفسهم، والكل مصيب في حكمه بما أدى إليه اجتهاده، ولكل مجتهد نصيب، وأيضا فشأن اختلاف الروايات في ألفاظ الحديث واختلاف طرقه وأسانيده، وتفاوته بالنظر إلى الخبر وبالنظر إلى المخبر، فمنه الصحيح ومنه الحسن ومنه الضعيف، ولربما بلغ إلى أحد منهم ما لم يبلغ الآخر، ولربما فقه أحدهم من الحديث وروايه ما لم يطلع عليه الآخر فحمله على الظاهر، فلا عيب في ذلك على أئمة المذاهب.
وكلهم من رسول الله ملتمس .... غرفا من البحر أو رشفا من الديم
وفي هذا الصدد ألفت المؤلفات في علم الرجال، وظهر الجرح والتعديل، وتدخلت السياسة لبعض الحكام لقصد التضليل وتخديش الأفكار، وظهر الكذب والوضع في الحديث وفي إسناده.
قال السيد العلامة أحمد بن صلاح الخطيب في كتابه (البدور المضيئة) ما لفظه: واعلم أيها المسترشد أنها قد كثرت الأحداث بعد الرسول ، واختلفت الروايات وكذب عليه، كما أنه نص في قوله: ((سيكذب علي...)) الخبر، وشهرته تغني عن ذكر مخرجيه، وأقوال العلماء فيه بوجوب التصديق لوقوعه.
صفحه ۶۶