قال: وقد حدث في أوائل القرن السابع الهجري أن تولى إمارة اليمن (المنصور بالله) الزيدي، وكان عالما فأرسل بعثتين إلى الشرق الإسلامي (خراسان وما حولها) فاستنسختا الكثير من كتب المعتزلة وحملتاها إلى اليمن، وبقيت هذه المخطوطات مجهولة مع سائر الكنوز التي كانت تحويها مكتبات اليمن في الجوامع أو دور العلم. حتى بعثت الحكومة المصرية في أوائل الخمسينيات بعثة لتصوير المخطوطات في اليمن فتم تصوير كثير من كتب الأدب والتاريخ والعقائد وكانت كتب العقائد تشمل نوعين هما: كتب العقائد الزيدية، وكتب الاعتزال.
وهكذا وضعت بعض آثار المعتزلة بين أيدي الباحثين. وكانت شخصية القاضي عبد الجبار الهمداني تلوح دائما من وراء هذا التراث الواسع وكان كل من يؤلف في العقائد الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري ملزما بالاهتمام ببحوث هذا الرجل لغزارتها وإحاطتها وشمولها للعقائد جميعا عرضا أو نقدا أو تأييدا.
ثم قال: ثم حدث أن وزارة الثقافة في مصر بدأت بطبع كتاب المغني في (أصول الدين) للقاضي عبد الجبار، فهو أضخم موسوعة عقائدية إسلامية .
ثم قال بعد ذلك: وقد تبين لنا أن خصوم المعتزلة مع كل ما بذله بعضهم من تحري الحقيقة، إلا أنهم كثيرا ما عمموا ما صادفوه من آثار شاذة قال بها واحد من رجال الاعتزال -على المعتزلة جميعا- وذلك كما زعم عن أفكارهم في الحديث والقياس وأحكام الآخرة ووجود الجنة والنار وتقديم العقل في كل شيء، بل لقد كانت هذه الآراء محل انتقاد جمهرة رجال الاعتزال وعلى رأسهم القاضي).. انتهى.
قلت: هذا وكم من العلماء المعاصرين من يقرر اتباع آراء سبقهم إليها الزيدية لإنصافهم ووضوح حجتهم.
صفحه ۴۹