وعندما يسألك: (من خلق ذلك الشيء؟) يقول: (إن خالق كل شيء عامله، وعامله فاعله)، قال سبحانه وتعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين}[المؤمنون:14]، فسمى العاملين خالقين.
وقال شاعر من فصحاء العرب:
ولأنت تفرى ما خلقت وبع .... ض القوم يخلق ثم لا يفري
يريد: أنت تتم ما دخلت فيه وصنعته وتكمل كل ما قمت به وعملته. ا ه.
قلت: وقد استرسل الأستاذ محمد عمارة في تحبيذه الفكر الزيدي في العدل والتوحيد وركز على النظريات الزيدية في العدل، وذلك في قولهم: إن أفعال العباد منهم وليست من الله سبحانه وتعالى، وقولهم في الآجال: إن الموت الطبيعي من فعل الله، وإن الموت بالقتل من فعل القاتل (خرم أجل)، وأن للإنسان في هذه الحياة آجالا وأن الله يعلم بها ولكن علم الله سابق وليس بسائق.
وفي هذا الموضوع يقول الأستاذ محمد عمارة في تقديمه (رسائل العدل والتوحيد) المذكورة المطبوعة بدار الهلال في القاهرة سنة 1971 ميلادية ما لفظه:
ونحن نستطيع أن نستخرج من هذا الموقف الفكري الهام الكثير من النتائج التي يمكن للمجتمع المعاصر أن يستفيد منها كل الاستفادة، إذ باستطاعة المجتمع المسلم، إذا آمن بالتأثير الإنساني في موضوع الآجال أن يسعى في موضوع التقدم الصحي والمعيشي مثلا، مؤمنا بأنه سبيل لزيادة متوسط عمر الإنسان وسبيل لخفظ نسب الوفيات وذلك دونما حرج ديني على العقيدة؛ لأن هذا الحرج مصدره فقط فكر المجبرة، لا فكر القائلين بالعدل والتوحيد .
كما نستطيع انطلاقا من هذا الموقف الفكري أن نحدد بدقة مدى الجرم، ومدى جسامة المسؤلية التي يتحملها من نسميهم في عصرنا هذا (بمجرمي حرب) الذين يتسببون في فناء الأعداد الغفيرة من البشر بطريق مباشر في ميادين القتال أو غير مباشر بخلق الحروب وإذكاء نيرانها.
صفحه ۴۴