فالخمر لا يعطي الإنسان قوة ولا صحة ولا سرورا ولا حرارة، بل إنه يجلب للناس أضرارا جسيمة.
وبناء على ما تقدم فإنه ينبغي للإنسان العاقل ألا يتعاطى الخمر فقط، بل يجب عليه أن يبذل كل نفوذه ومجهوداته بألا يقدمها لأحد في منزله، ويمنع جميع معارفه وصحبه من استعمال هذا السم الضار الذي لا فائدة منه.
ولكن مع الأسف الشديد أن الأمور تجري على غير ذلك؛ لأن الناس يحافظون على العادات والتقاليد القديمة التي يصعب استئصالها من نفوسهم. ويا ليتهم يقفون عند هذا الحد! بل إنهم يدافعون عن الخمور دفاع الأبطال، ويسردون لك على فوائدها ومنافعها ألف برهان ودليل.
هؤلاء يقولون: إن البلاء يأتي من السكر وليس من كاسات قليلة. هؤلاء يقولون: إن الملك داود قال: «إن الخمرة تفرح قلب الإنسان». هؤلاء يقولون: إن المسيح حول الماء إلى خمر في قانا الجليل، وإنه بارك هناك الخمر، وإنه لو منعت الخمرة لانقطع الإيراد الوافر عن الحكومات التي تملأ خزائنها من الأموال التي تتقاضاها رسوما على المشروبات الكحولية.
هؤلاء يقولون: كيف يجوز أن نستقبل الأعياد ونقيم الأفراح بدون خمر؟ وإنه غير ممكن ألا نشرب لدى ابتياعنا المنازل أو الأراضي أو لدى بيعها، وكذلك عند استقبال الضيف العزيز. هؤلاء يؤكدون لك أنهم إذا شربوا فإنهم يشربون بعقل، وأنهم لا يسببون ضررا لأحد، ويقول الروسيون بنوع أخص: إن الأمير فلاديمير الشهير قال: «إن الشرب هو حياة روسيا وسرورها وفرحها».
يقول صغار الأحلام: إننا بتعاطينا الخمرة لا نضر أحدا ولا نؤذي مخلوقا، وإذا كنا نؤذي أنفسنا فهذا أمر يتعلق بنا نحن، لا نريد نعلم أحدا كما أننا لا نريد أن يعلمنا أحد، ونحن ليس أول من شرب ولا آخر من سكر.
هكذا يقول شاربو الخمرة من طبقات ومراكز مختلفة، وهم بهذا القول يحاولون تبرير أنفسهم وعملهم.
هذه الأقوال كانت جائزة في ما مضى من الأزمنة، ولكنها الآن معدودة من سقط المتاع، ومن الكلام الدال على الحماقة والعناد. كان يصح هذا القول عندما كان الناس يظنون بل كانوا يعتقدون أن الخمرة تسبب سرورا ولا تسبب ضررا، وأن المشروبات الروحية تعطي الصحة والقوة للإنسان؛ إذ ذاك ما كانوا يعلمون أن الخمرة تحتوي على سم قتال فتاك، إذ ذاك ما كان يرى الناس عواقب تعاطي الخمرة الوخيمة التي نراها اليوم أمام أعيننا.
كان يجوز ذلك القول عندما كانوا يرون مئات وألوف الضحايا التي تضحيها الخمرة على مذبح هيكلها، عندما كانوا يرون الألوف من الناس يتحملون أشد الآلام والأسقام من تأثيرة الخمرة، عندما كانوا يرون أن الخمرة تقصف غصن حياة الشباب الرطيب. يجوز ذلك القول عندما كنا نرى ألوفا وألوفا من الزوجات والأولاد يتضورون جوعا ويتقلبون على فراش الحاجة والأسقام بسبب إدمان الأزواج والآباء على تعاطي الخمرة. كان يحسن أن يقال هذا عندما كنا نرى ألوف المجرمين مطروحين في غياهب السجون بسبب الجرائم التي دفعتهم إليها الخمرة؛ حيث يشتغلون الأشغال الشاقة، وقد تركوا نساءهم وأولادهم بلا ناصر ولا معين. كان يحسن أن يقال هذا عندما كنا نرى أن مئات وألوفا من الناس قد أضنوا قواهم وهدموا أجسامهم وقضوا على عقولهم ومداركهم القضاء المبرم، وكان في استطاعتهم لو لم يتناولوا تلك السموم أن يعيشوا براحة وسلام وصفاء وهناء.
وبناء على ما تقدم فإنه لا يجوز في وقتنا الحاضر أن نقول إن شرب الخمرة أو عدم شربها مسألة خاصة، وإننا لا نشرب إلا قليلا منها ولا نؤذي أحدا إذا تناولناها. كلا، كلا، لا يجوز مثل هذا القول؛ لأن مسألة المسكرات مسألة عامة اجتماعية.
صفحه نامشخص