150

واتفق أن جريئا من أعضاء البرلمان وضع على منضدة الرئيس كثيرا من العرائض.

وكانت هذه العرائض شكاوى قدمها نحو ثلاثين مرابيا، يشكون من سمو ولي العهد أنه لم يف ديونهم، وأنه طردهم أقبح طرد حين طالبوه بالسداد.

فتلا الرئيس هذه العرائض على الأعضاء، واضطرب المجلس، فقدم عريضة بهذا الصدد إلى الملك.

وعند ذلك أمر الملك المجلس أن يصدر قرارا مفاده أن ولي العهد يعتبر لدى دائنيه كسائر أفراد الرعية، وأنه يحق لكل دائن أن يحاكمه وأن يسجنه إذا امتنع عن وفاء دينه كما يعاملون سائر الناس .

ثم نظر إلى ولده وقال له: إنك عضو في مجلس اللوردية بحق ولادتك، وإنك تقيم في قصر سانت جيمس بصفتك ولي عهدي، فإذا استدنت ديونا جديدة فإن دائنيك لا يستطيعون القبض عليك في سانت جيمس ولا في مجلس اللوردية، ولكنهم إذا لقوك خارجهما حق لهم أن يقبضوا عليك، وقد أنذرتك فتدبر.

فوعد البرنس أباه أن يسير سير العاقلين، وأنه لا يتجاوز بنفقاته الميزانية المعينة له.

ولكن وعده لم يقترن بالوفاء، فلم يمض عام حتى تراكمت عليه الديون، وقد أبى أبوه أن يفي دينه، وأمر المجلس بتنفيذ قراره، فلم يعد ولي العهد يستطيع الخروج من قصر سانت جيمس إلا متحذرا متنكرا، ولا يذهب إلى البرلمان إلا في مركبة ملكية يخفرها الفرسان.

والآن فقد عرف القراء سبب شكوى ولي العهد من البرد والضباب؛ فإنه لم يكن يستطيع الخروج في رائعة النهار والتمتع بنور الشمس.

وكان يسير مع كاتم أسراره دلتون في تلك الليلة، وكلاهما يشكوان، فقال له دلتون: أف لهذا البرد ما أثقله!

قال: إنه مهما يكن من ثقله فهو أخف عندي من الدائنين، وأرجو أن يكونوا الليلة في أسرتهم فلا يخطر لهم أن يتبعوني. - هذا ممكن. - أتظن أنه لم يرنا أحد حين خروجنا من القصر؟ - إني لم أر أحدا يا مولاي. - إنك تطمئنني. - أتأذن لي يا مولاي أن أسألك سؤالا؟ - قل. - أخرجت في هذه الليلة الباردة لاستنشاق الهواء أم أن لك غاية أخرى؟ - بل لغاية أخرى؛ فقد أصبحت من العشاق. - ومتى كنت من أهل الزهد يا مولاي، فإنك كل يوم من الغرام في شأن؟ - ولكن غرامي اليوم لا يقاس به غرام. - ألعلنا ذاهبان لإنشاد الأهازيج تحت مشرف منزل التي تحبها؟ - ليس هناك مشرف. - إن لجميع القصور في لندرا مشارف. - وهي ليس لها قصر. - إذن؛ إنها من نساء التجار. - بل هي دونهن مقاما. - إنك تدهشني يا مولاي، فمن هي هذه الساحرة؟ - لا شك أنها ساحرة كما تقول بدليل أنها فتنتني بنظرة. أتريد أن أصفها لك؟ - تفضل يا مولاي. - إنها شقراء الشعر سوادء العينين لا تتجاوز ثمانية عشر ربيعا، وهي تلبس ملابس أهل القرى، ولكنها خلقت كما اشتهيت، فلو رأتها دوقة لسرى إلى قلبها الحسد، وتمنت أن تكون في مكانها، وعلى الجملة فهي جوهرة مكنونة. - أين وجدت هذه الجوهرة يا مولاي؟ - إن لهذا اللقاء حكاية دون شك؛ فقد كنت ذاهبا منذ ثلاثة أيام إلى البرلمان، فمررت من هنا حيث نحن الآن.

صفحه نامشخص