قال: يا ظالم، إن النار مخلوقة من مخلوقات الله - سبحانه وتعالى - ليس لها حل ولا ربط، وإنما الإرادة بيد الله سبحانه فمن آمن به فقد نجى، ومن كفر فجزاؤه الخزي وعذاب الجحيم فآمن به واترك عبادة النار وأنا اترك لك ثارات أمي وأبي.
قال: ما كنت لأترك دينا وجدت عليه آبائي وأجدادي.
فألح عليه «أرباسيس»، وأنذره فلم يقبل، فلما وجد «كورش» امتناعه وترفعه عن عبادة الخالق - سبحانه وتعالى - أمر بأن تجمع الأحطاب، وتوضع في ساحة القصر، ثم يوقدوا فيها النار ففعلوا، وأمر بإحضار الملك «أستياج» فحضر - وقد جلس الملك «كورش» على كرسي مملكته، وحوله الوزراء والقواد، وأكابر الدولة - ثم أمر «فانيس» أن يخطب فيهم والعساكر شاهرة السلاح فوق رءوسهم. فقام وقال: أيها القوم! إن الله يأمركم بعبادته، وألا تعبدوا إلا إياه، فمن أطاع منكم، فله أجره من الله، ومن خالف فمأواه النار التي تعبدونها من دون الله. فهاج الجمع وماج، ثم التفت أكابر القوم إلى «أرباسيس»، وكانوا يعلمون فيه الحكمة والدراية، ويحترمون قوله واستشاروه، في ماذا يعملون؟
فقال لهم: هذا هو الحق. ثم قام وألقى عليهم خطبة كلها حكم، وأرشدهم إلى صراط مستقيم، فآمنوا جميعا إلا «أستياج» فإنه وقف مبهوتا لا يحر جوابا، فقال له «كورش»: كيف رأيت ربتك أيها الملك؟ هل قدرت أن تدافع عن نفسها، وتمنع عبادها من الخروج عن عبادتها؟!
فسكت «أستياج»، ولم يحر جوابا.
فقال له: انطق بالوحدانية، وإلا كانت هذه النار مأواك.
وأشار إلى النار الموقدة في ساحة القصر، فأطرق «أستياج» إلى الأرض، فاحتد «كورش»، وأمر بأن يخلعوا ما عليه من الملابس، ويدنوه من وهج النار، لعله يتذكر أو يخشى، فقربوه حتى إذا صار قيد رمح لفحه لهيبها، فرجع إلى الوراء مذعورا مرعوبا طائش الفكر، وقال: أرجعوني إلى الملك.
فرجعوا به فقال له «كورش»: ماذا تراءى لك الآن؟
قال: إني آمنت بربك، فاتركني من هذا العذاب.
فقام «أرباسيس» وحل عقاله، وأجلسه عن يمين الملك، وعلمه شروط الإيمان عن ملة إبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام - وبعد ذلك بالغ في إكرامه، وتركه داخل قصره يعبد الله ما بقي من حياته.
صفحه نامشخص