هذا وقد صدق على قوله كل من في المجلس إلا «أرباغوس» فإنه قال: لا بد من البحث والتدقيق؛ لأنه من واجباتنا المحافظة على الوطن والذب عن حقوق مملكتنا، وصون أعراضنا، وأموالنا من أن تنالها أيدي الفرس.
وكان قصد الوزير بهذا الكلام أن يستخلص لنفسه ثقة الملك؛ لأنه كان يحرك عليه القوم لما عنده من الضغينة به عليه.
وكان الوزير من يوم قتل ولده يتحين الفرص، ويدس الدسائس، ويشحن صدور الأمراء وأكابر البلاد على مخالفة «أستياج»، ولما علم فيه بظهور ابن «مندان» حمد الله وأثنى عليه. ولكنه تحير فيمن خلصه، وود لو أنه هو المخلص له، وقال في ذاته: من الذي انتشله يا ترى؛ إذ إن هذا الأمر لا يكون إلا من خبير قدير، ولا قدرة «لأرباسيس» على مثل هذا الفعل.
ولما سمع الملك منه ذلك جنح إليه، وجاء طبق مرامه فقال له: نعم الرأي أيها الوزير! إن ما قلته هو الصواب، فيجب أن تبث العيون في أنحاء المملكة، وتجد لي هذا الخائن الذي تجاسر، بعد علمه برؤياي، على إخراج الغلام من السجن، وعمل على كيدي وكيد المملكة؛ لأن النار لا ترضى بخراب بلاد عبادها.
فلبى الوزير طلبه بالسمع والطاعة، وانفرط عقد المجلس على هذا الرأي، وقام مع «أرباسيس»، وتوجها إلى منزل الكاهن بعد أن أصدر أوامره لجميع القواد ببث المخبرين في أنحاء المملكة، وقال: لا أظن أن الغلام في المدينة؛ لأن أبواب المدينة وجدت مفتحة. ثم سارا وهما يتذاكران في أمر «كورش» إلى أن بلغا منزل «أرباسيس» ودخلاه، وجلس كل منهما مرتابا في الآخر مرتبكا في ما يفتح له الحديث، ويكشف عما في ضميره، وبعد تفكر برهة قال «أرباغوس»: لا بد أن يكون أخذك العجب، وارتبت في أمري أيها الفيلسوف حينما تكلمت مع الملك ضد فكرك في التفتيش على «كورش» والبحث عنه حيث إنك تعلم محبتي «لمندان»، وكيف عدمت ولدي بسببها، وتعلم أيضا بغضي للملك الذي قتل ولدي ظلما، ومن ذاك الوقت، وأنا أترقب فرصة كهذه لآخذ ثأري، وإني أعلم أنك توافقني على أفكارك؛ فلذلك أريد أن أطلعك على ما في ضميري؛ لأني لا أشك في أنك تريد ذلك أنت أيضا لحبك لولد «مندان».
فقال «أرباسيس» وقد تبين فيه الصدق وتهلل وجهه بعلائم البشر: صرح لي بما في ضميرك أيها الأخ الصادق، ولا أشك في صداقتك «لمندان».
قال «أرباغوس»: آه يا سيدي لو أعلم أنها على قيد الحياة!
قال: نعم! إنها على قيد الحياة، وستجتمع بولدها «كورش» بعد بضعة سنين حينما يكون في أوج عزه، ولكن دعنا الآن منها، ولنتكلم في أمر ولدها.
قال: وكيف الوصول إليه الآن؟!
قال: سنجتهد في الحصول عليه بعد ما ندبر أمر وقايته من أيدي الظلم.
صفحه نامشخص