ملك غير متوج

م. اشاکر d. 1450 AH
65

ملك غير متوج

ملك غير متوج

ژانرها

فأردفت في برود: إذا كنت أتصور أنك ستفعل هذا فإني أقتلك الآن! - إني أرغب في أن تفعلي ما تقولين.

فهزت السيدة كتفيها بنفاد صبر وقالت: إنك مجنون يا سيرل، أو على الأقل مجنون كوالدك! - إنني إنجليزي كوالدي، وفي إنجلترا لا ينظر الرجال بعين الرضا حينما يرون امرأة طيبة يضحى بها على مذبح الطمع السياسي، إنني لا أستطيع أن أرى فيرونيك كريستوف تستعمل كمخلب القط في تلك اللعبة التي كنت تديرينها في ذهنك من قبل، إنني أعلم أنها سوف تقاسي أشد الآلام من جراء جرح عواطفها وكبريائها عندما تتحقق من أنها كانت مخدوعة وأنه قد كذب عليها. ولكن هذا لن يكون شيئا إلى جانب تلك الحياة التعسة التي سوف تحياها لو كانت قد ارتبطت بذلك التعس الضعيف لويس أخي.

وتراقص على شفتي السيدة رد غاضب سرعان ما كبحت نفسها عن التفوه به؛ فقد كانت على مهارة كافية لأن تدرك عدم جدوى الشدة مع مثل ولدها العنيد هذا. وبسيطرتها المعهودة على عواطفها استطاعت أن تغير تعبير وجهها وصوتها، فهش وجهها ولطف صوتها، وقالت في رجاء ولين: استمع إلي يا سيرل، ما فائدة عراكنا هكذا؟! إنك تخلق كل أنواع المتاعب لي، ويؤسفني أن أقول إننا لم يعرف بعضنا الآخر في ود وألفة من قبل لأنك تفهم أني ... لا تعض على أنيابك! إني أؤكد لك أنني أعرف أكثر مما أوليتني فيه ثقتك وذكرته لي، فمثلا أنا أعرف أن فيرونيك كريستوف تحبك بالقدر الذي تحبها ... لا تقاطعني فأنا أعني كل كلمة أقولها، فها أنتما شابان صغيران يحب كل منكما الآخر، ويتمنى أن يعيش طول حياته مع الآخر، أليس كذلك؟

إنك لن تكون إنسانا إذا لم تكن ترغب في هذا، حسنا، إن مستقبلكما معا يتوقف عليك وعلي أنا، ولسوف تصبح أنت ابن لويس السابع عشر الملك الشرعي لفرنسا، ولا يمكن أن يزحزحك شيء عن هذا المركز، طالما تمسك لسانك عن الكلام. أما أنا فإني أود من كل قلبي أن يتم الأمر على هذا الوجه وكذلك الكونت فريزن.

وما كادت السيدة تصل إلى هذا الحد حتى توقفت عن الكلام وقطعت الغرفة حيث مكتبها. وكان سيرل طول ذلك الوقت ينظر إليها صامتا، ففتحت درجا مقفولا وأخذت منه حزمة من الأوراق، وانتقت منها أربع ورقات وأعطتها لولدها بيد عرتها رعشة خفيفة وقالت له: هذه ورقة ميلادك وتلك ورقة تعميدك، والأخريان ورقة ميلاد وتعميد أخيك لويس، ومنذ هذه اللحظة فإن الورقة المدون فيها اسم لويس أنطوان ماري شارل إيمي دي بوربون سوف تصبح ورقتك، والأخرى التي باسم سيرل أرثر برتراند سوف تصبح ورقة لويس، ولهذا فأنت ترى كم يكون الأمر سهلا ولا خطر فيه البتة.

وكانت السيدة لا تزال ممسكة بالشهادات الرسمية دون أن يتحرك سيرل ليأخذها، أو على الأقل لينظر إليها، فألقت بها بانفعال في وجهه حتى إنه تراجع خطوة إلى الخلف ليتحاشى اصطدامها به.

فقالت السيدة في إلحاح: لماذا لا تنظر إليها؟! ألا تعنى؟!

وكان تعبير وجهها يمد عبارتها بمعاني عدم التصديق ثم الخوف وأخيرا الانفجار، وقالت وهي تسعل: بحق السماء على أي أساس ترفض؟! - إنها ستكون حياة إهدار للشرف والكرامة، حياة كذب وخداع، حياة لا بد أن تؤدي إلى مأساة مروعة تختتم بها. - ولكن لويس يتوق لأن يتنازل عن حقوقه في العرش. - لمصلحة عمه الذي سوف يصبح الملك الشرعي لفرنسا لا لمصلحة سيرل برتراند ابن ضابط إنجليزي يود لو يرى ابنه ميتا بدلا من أن يحيا هذه الحياة المزرية المهدرة للشرف.

الفصل السادس عشر

ولم تكد تمر على سيرل أربع وعشرون ساعة حتى كان في باريس، واتجه مباشرة إلى الاستديو في ميدان ريمور، وكان قد أبرق إلى الخادم من ستراسبورج، فجهزت المكان لاستقباله، وما كاد يدخل حتى أوى إلى غرفة نومه، وبدأ يخلع ملابسه، وقد عاوده التفكير، أترى يستقر به الحال هنا ويشتغل بالرسم مرة أخرى ويعمل بجد لكي تعلق صوره في صالة العرض؟ وهل سيجد لذة في التحدث إلى ميمي فتاة الموديلات الصغيرة، وفي تقديم الحلوى إليها ومصاحبتها إلى مطعم الملوك الثلاثة فيتناولان معا طبق الكاسوليت بعد متاعب العمل في النهار؟ ولم يتمالك نفسه من الضحك لمجرد تفكيره في كل هذا؛ لأنه كان يعلم أن المياه لن تعود إلى مجاريها مرة أخرى، وأن روح مونتمارتر المرحة الطروب القليلة الاهتمام بالحياة قد انقطعت عن نفسه إلى الأبد، أو على الأقل فإن هذا ما كان يظنه في نفسه في ذلك الوقت. وجال سيرل بنظره في أنحاء الاستديو، وكان كل شيء على حاله كما تركه آخر مرة. وأثارت رؤية أدواته ذكريات مريرة مؤلمة، لقد فكر في الفتاة التي حلمت بأن تصبح ملكة على فرنسا يوما ما، وتذكر اليوم الذي كان فيه ملكا واستطاع أن ينال أجمل مخلوقة على وجه الأرض ويضمها بين ذراعيه، والآن فإنه لا يزيد عن كونه فنانا فقيرا يجاهد في سبيل الرزق.

صفحه نامشخص