واستمرت السيدة تغمغم كأنما تحدث نفسها: نحن اليوم في السادس عشر، السبت وبعد أسبوع من هذا اليوم سوف يتقابل لويس وفيرونيك كريستوف، إنها تنتظر هذا، وكريستوف مستعد، ولكن إذا لم يكن لويس هنا، يا إلهي! فريزن، ماذا سيكون من أمرنا إذن؟!
وقالت جملتها الأخيرة بصوت مرتفع يملؤه الفزع، ولكن فريزن ظل في مكانه ينظر إلى النار، وحاول أن يهدئ ثائرتها فلم يستطع إلا أن يقول: سوف تصلك برقية قبل فوات اليوم يا سيدتي.
ولقد كان في الحقيقة يأسف كثيرا لحال هذه المرأة المليئة بالنشاط والطموح مع مثل ذلك الولد الذي يكتب في هذا الوقت خطابا كهذا، بل إنه هو نفسه كان يود أن ينجح هذا المشروع فهو كسياسي إنما يفخر بنجاح عمل اشترك بنفسه فيه، ففوق أن إمبراطور أوستوريا يرغب في عودة آل بوربون إلى عرش فرنسا لأسباب عاطفية وعائلية ولاعتبارات سياسية أيضا؛ فإن فريزن نفسه كان يهمه شخصيا نجاح مشروعه، إذ يهيئ له هذا مستقبلا باهرا بين رجال السياسة.
وأخيرا قالت السيدة بغصة: أظن أن الأجدر بك أن تعود يا صديقي، فلم يبق لدينا ما نعمله الآن، أليس كذلك؟
فقال وهو يقوم لينصرف: لا عمل لدينا الآن كما تقولين يا سيدتي، ولكن يجب أن نؤمل خيرا.
فغمغمت السيدة بيأس: نؤمل خيرا؟! ثم تنهدت بعمق وأتمت: إني لأشكرك كثيرا يا صديقي فريزن، فلست أعرف ماذا كنت أفعل بدونك.
وقال فريزن في النهاية: سوف أعود ثانية لأرى ما لديك من الأخبار.
ونزل فريزن وذهنه يشتغل بجد في حل للمشكل.
ما أعجبها امرأة! أما كانت تهبها الأقدار ولدا قويا غير هذا؟! وتذكر الشخصية التي رآها منذ ستة أسابيع تحمل جلالته وهو مغمى عليه، وذكر موقفه وهو يتأمل سيرل وقد رآه شديد الشبه بجلالته، نفس الهيئة والملامح، ولون العينين والشعر على عكس قوته ومتانة بنيانه، وخطر على ذهنه قول أمه عنه: «ولكنه رجل يا فريزن، رجل!» حقا إن تصاريف القدر غالبا ما يعجز عن فهم كنهها الإنسان.
وعاد الكونت فريزن إلى فلا إليزابث في المساء، ولم تكن قد وصلت أي برقية، بل كان الوقت متأخرا عن أن ينتظر وصولها ، فقال فريزن محاولا أن يظهر تفاؤله: ربما تعطلت في الطريق، وعلى كل حال فسأبكر غدا في الصباح إلى مكتب البريد لأسأل عنها.
صفحه نامشخص